ليس غريبا أن تصبح بلاد الشمس المشرقة مصدرا لأجمل أفلام ومسلسلات الأنيمي، فلطالما كانت اليابان أرضا تفيض بأغنى ألوان الثقافة والفنون الشعبية التي تمزج بين ماضيها العريق وآتيها الواعد.
إذا كانت المانغا (manga) قد ارتبطت بصناعة النشر الورقي بوصفها روايات مرسومة متسلسلة تصدر أسبوعيا أو شهريا أو دوريا على صفحات مجلات متخصصة أو مجلدات شاملة، فإن الأنيمي وجد له متسعا في شاشات السينما والتلفزيون (ولاحقا في الشاشات الصغرى للحواسيب والهواتف)، مقتبسا أجمل القصص المصورة ليضفي عليها لونا وصوتا وحركة، ويدفع بها إلى مستوى أعلى من الرواج والشهرة عبر العالم كله.
يطلق لفظ الأنيمي (アニメ anime) على فن الرسوم المتحركة اليابانية، التي اكتسحت العالم بأفلامها الرائعة ومسلسلاتها المشوقة منذ سبعينات القرن الماضي. إنها اختصار للكلمة الإنجليزية (Animation) غير أن اليابانيين منحوها معاني أجمل بكثير مما تفوح به في لغتها الأصلية.
شيدت صناعة الأنيمي منذ الستينات على الأسس التي وضعها رجل يوصف بأنه الأب الروحي لهذا الفن، أوسامو تيزوكا الذي أبدع سلاسل مانغا شهيرة أبرزها (أسترو بوي) وسعى جاهدا لتحويلها إلى مسلسلات أنيمي في المؤسسات التي عمل بها أو تلك التي أسسها بنفسه كـ Mushi Production و Tezuka Productions. واليوم هناك أزيد من 500 شركة (Studio) تعمل في مجال صناعة الأنيمي في اليابان. بعضها شبكات تلفزيون أو مؤسسات كبرى منتجة، والبعض الآخر عبارة عن مراكز صغيرة تقوم بأدوار تنفيذية حسب الطلب، في مجالات الرسم والتلوين والتحريك والدوبلاج.
في اليابان يسجل الأنيمي أعلى الأرقام في حصص المشاهدة على التلفزيون ومبيعات الأقراص الرقمية. عام 2001 حقق فيلم رحلة شيهيرو (Spirited Away) لمخرجه هاياو ميازاكي أعلى إيرادات في تاريخ السينما هناك متفوقا على ما حققه فيلم تايتانيك الأمريكي. وليس هذا بالغريب، ففن الأنيمي الياباني عموما تفوق بشكل كبير على مختلف مدارس الرسوم المتحركة في أمريكا وأوروبا، ورغم النجاح المذهل الذي تحققه شركات عالمية من قبيل ديزني بيكسار ودريم ووركس في عالم التحريك إلا أنه يظل مقتصرا على أفلام الـ 3D السينمائية، أما على الشاشة الصغيرة، فلا مجال للمقارنة أبدا بين ما يسمى بالـ(كرتون) الغربي والأنيمي الياباني.
يتم إنتاج أعمال الأنيمي على شكل أفلام للسينما، وهناك استوديوهات تخصصت في هذا النوع وتميزت فيه مثل (أستوديو غيبلي) أو على شكل مسلسلات للتلفزيون قد تكتفي بـ 13 أو 26 أو 52 حلقة، وقد تطول أحيانا فتقارب الألف (كما هو الشأن بالنسبة لمسلسل وان بييس). كما يصدر الأنيمي أيضا على شكل (أوفا) والتي تطلق اختصارا لـ Original Video Animation، وهي أفلام أنتجت خصيصا للمشاهدة المنزلية، إذ كانت تباع في المتاجر على شكل أشرطة فيديو ولاحقا على الأقراص الرقمية. في بعض الأحيان يبدأ الأنيمي في الظهور على شكل OVA أولا، ثم بعد ذلك يحول إلى مسلسل تلفزيوني. ثم هناك الأونا Original Net Animation، وهي مجموعة حلقات أو سلسلة كاملة يتم إعدادها للعرض على الإنترنت.
رغم أن الأنيمي يعتبر فنا ثقافيا خاصا باليابانيين، إلا أنه لاقى رواجا عالميا منذ الثمانينات، عبر شركات الدبلجة التي اشترت حقوق أشهر المسلسلات وأعادت توزيعها لشبكات التلفزيون بنكهة لغوية محلية. كما فعل مركز الزهرة في دمشق (الذي أصبح لاحقا تابعا لمؤسسة سبيستون) وقبله مؤسسات لبنانية وأردنية وعراقية لم يستمر نشاطها طويلا. ومع توسع شبكة الإنترنت وتطور خدماتها التي ساهمت بشكل كبير في نقل مختلف أنواع هذه الثقافة خارج حدود اليابان، تضاعفت شعبية الأنيمي بشكل لا يصدق واكتسب هذا الفن الجميل مزيدا من المحبين يوما بعد يوم. رغم أن هذا كانت له جوانب سلبية أخرى، إذ أضحت الشركات المنتجة تواجه صعوبات متزايدة في ضبط عمليات القرصنة والنشر غير المرخص، علما أن اليابانيين لديهم حساسية كبيرة جدا لقوانين حماية الملكية الفكرية.