أحمد نتوف: صدق الإحساس سر أغاني الشارات الناجحة

لأن الشعور ضروري لإنتاج تجربة تعبيرية متكاملة

AHMAD NATTOUF ©

لشارات المسلسلات وظيفة هي الدعاية والترويج للعمل عند الجمهور، ولذلك طرائق متعددة لكن أنجحها على الإطلاق تلك الكلمات الممزوجة بالصدق والتي تخاطب الطفل من واقعه ومشكلاته.

في بلاد الشام ترعرع أحمد محمد نتوف (1967) على حب لغة الضاد لسانًا وبيانًا، فتخرج من جامعة دمشق حاصلا على إجازة في اللغة العربية وآدابها وماجستير في البلاغة ودكتوراه في النقد القديم. وإلى جانب عمله في التدريس الجامعي، أشرف الدكتور أحمد نتوف على عدد من المشاريع التربوية والفنية، وأسهم في تأليف كتب قيمة في مجاله منها (النقد التطبيقي عند العرب) و(الغزو الفكري في أفلام الكرتون) وسلسلة (أبجد) لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. بيد أن المجال الذي حبب إلينا اسمه منذ الطفولة كان عمله كاتبا مبدعًا لشارات مركز الزهرة وقناة سبيستون، حيث اعتاد السّهر في هدوء الليل مبعدًا عن عينيه الراحة ليتحدى لحنًا أصليًّا معقدًا فينسج على مقاسه عباءة عربية يطرزها بأجمل الكلمات وأكمل المعاني، حتى تأتي آسرة ساحرة تضفي على مسلسلات الرسوم المتحركة رونقا يخلدها في القلوب إلى الأبد.

عديدة هي مسلسلات الأنيمي التي ألفت شاراتها العربية بإبداع مدهش، غير أن لشارتي (أنا وأخي) و(القناص) مكانة خاصة عند المعجبين. فما السر في جاذبيتهما العجيبة هذه؟ وهل تعتبرهما الأقرب إلى قلبك أيضًا؟

السر في الكلمة الناجحة هو الصدق، وأن تعيش الحالة، وبعد ذلك تأتي الخبرة والمهارة. شارات المسلسلات لها وظيفة وهي الدعاية والترويج للعمل عند الجمهور المستهدف، ولذلك طرائق متعددة، لكن أنجحها على الإطلاق تلك الكلمات الممزوجة بالصدق، والتي تخاطب الطفل من واقعه ومشكلاته؛ فالتجربة الشعورية ضرورية لإنتاج تجربة تعبيرية متكاملة.

(أنا وأخي) هي الشارة الأحب إلى قلبي، لأنني عندما كتبت كلماتها خاطبت وجدان الإنسان العربي الواقع تحت ضغوط شديدة تهدف لإبعاده عن القيم ومن أهمها الأخوة والرحمة والتراحم والتعاون. انظر إلى مجتمعاتنا العربية كم تعاني من التفكك والفشل الذي من أهم أسبابه الأنا وحب التفرد وعدم مد يد العون أو طلب العون من الأخ فما بالك بالصديق ثم شريك الوطن. ولـ(القناص) طعم خاص، لو فتشت فيه لوجدت تحديد الهدف هو المعادلة التي يسعى إلى ترسيخها، وتحديد الهدف لا بد معه من قبول التحدي للإنجاز وبذل الجهد المطلوب والتعب ثم التعب لبلوغ الأهداف.

من المعتاد في مركز الزهرة أن تنسج الشارات العربية للعمل المدبلج على إيقاعات الأغنيات اليابانية الأصلية. وهذا يعني أن المساحة التي يتحرك فيها كاتب الكلمات تغدو ضيقة بالفعل. كيف تتعامل مع هذا التحدي؟

صحيح إلى حد ما، لكن هناك أيضا شارات بألحان جديدة. في عمل الشارة لا بد من التعاون بين الكاتب والملحن والمؤدي. وفي عملي كنت أتشارك الرأي مع الأخ طارق العربي طرقان، وكذلك السيدة رشا رزق. جميل جدا أن تكون ضمن فريق مبدع بكل معنى الكلمة، هذا يحرك بواعث الإبداع فيغدو كل شيء في أجمل صورة.

وعلى ذكر رشا وطارق، لطالما شعرنا وكأن هناك نوعا من التنافس اللطيف بينهما، فكل منهما يسعى لتقديم أفضل ما لديه. هل نستطيع القول أن هناك منافسة من النوع نفسه (ضمن علاقات طيبة متبادلة بالطبع) بينك وبين الدكتور شفيق بيطار؟

لا توجد منافسة بيني وبين صديقي الدكتور شفيق، لكل منا طريقته في الكتابة وأنا أستمتع جدا بالكلمات التي يكتبها، وهو أيضا يبادلني هذا. وباختصار أنا وهو يكمل أحدنا الآخر. وفي بعض الأشعار كنا نجتمع ونعرض الأفكار للقصيدة التي تحتاج إلى كتابة مشتركة كما في أغاني كونان على الهواء ومدينة المعلومات.

رغم أننا مبدئيا يمكن أن نعتبر كل العاملين في مجال الدوبلاج من جنود الظل، إلا أن ممثلي الأصوات ومغنيي الشارات يحظون بفرص أكبر للشهرة. أفي هذا نكران لقيمة الكاتب؟ أم أن الكتاب ليسوا أبدا في حاجة إلى أضواء الواجهة هذه؟

الكتابة في العالم العربي عموما مهنة ليست مدعومة، لا من جهة التقدير المجتمعي، ولا من جهة المقابل المادي، وأنت تنظر إلى أحوال الكتاب والشعراء. وسبب هذا أنه لا توجد إرادة لدى السياسات القائمة في عالمنا العربي للنهوض الحقيقي بالمجتمعات. على كل حال الكتاب الحقيقيون يبذلون أقصى جهدهم ولو كان المقابل قليلا لأنهم مؤمنون بحاجتهم إلى مجتمعاتهم وحاجة مجتمعاتهم إلى من يحركها نحو الأفضل على مختلف الأصعدة.

هل بإمكانك أن تحكي لنا عن أول خطوة لك في هذا المجال؟ وما النصيحة التي يمكنك توجيهها لمن يحلم أن يؤلف يوما شارات رسوم تقارب مستوى ما وقعت عليه خلال مسيرتك الموفقة؟

لم أعد أذكر أولى الخطوات بسبب زحمة الأعمال؛ كنت أكتب شعرا خاصا ثم طلب مني كتابة شارات ولا أذكر الشارة الأولى التي كتبتها. غير أني هنا لا أنسى مساعدة أستاذي علي حمد الله رحمه الله الذي مد لي يد العون في بدايات الطريق.

الكتابة رحلة صعبة للعقل والقلب، لأن الكاتب عندما يشرع في التأليف تزدحم في ذهنه الأفكار والمشاعر والخيالات والكلمات والتراكيب، وتصبح مهمته أصعب عندما يختار، وفي ذات الوقت عليه أن يحفز العقل لولوج آفاق جديدة من المعاني. وفي الكتابة بعض الأسرار التي من أهمها أن تكتب الشارة على شكل حكاية خفيفة، هذا يجعلها تدوم أكثر. إنها قصة بسيطة لشاب أو فتاة من هذا العالم، له أو لها أحلام وأهداف. وعلى الكاتب أن يبوح بهذه الأحلام والأهداف وخطة هذا الشاب أو هذه الشابة في تحقيقها. انظر مثلا إلى كلمات الحديقة السرية رغم أن الموضوع هو العناية بالحديقة والبيئة غير أن طريقة عرضها جعلت الموضوع قصة لحديقة تتحدث مع البطلة وتطلب منها المساعدة من أجل الرعاية والسقاية وهكذا. إنها عرض لعلاقة مجازية بين الجماد الجميل والإنسان العاطفي وهذا ما ولد كلمات جميلة قبلها الجمهور وحفظها.