HERBALIST : من قال إن النباتات لا تتكلم!

مغامرات أكاسيا في غابة الأعشاب السحرية

ARANIME / BING AI ©

بوفاة جدتها، تجد الصغيرة (أكاسيا) نفسها الوريثة الأخيرة لكتاب نفيس يدعى (لفافة الأعشاب السحرية) يحوي وصفات عجيبة في غاية السرية والخطورة. فماذا ستفعل بهذا الإرث الثقيل وكيف تصونه من الأعداء؟

كل نبتة في هذا العالم تخفي داخل أوراقها أسرارا عظيمة! حاول البشر اكتشافها منذ القدم، واستخلاص نسغها النادر للإفادة منه في شتى المجالات.
للغذاء والدواء .. للعطور والسموم .. للجمال والسحـر. ويوما بعد آخر، جمعت أغرب وصفات العشابين في لفيفة سرية توارثتها أسرة من الحكماء.
كشباك العنكبوت، نسجت حولها الأساطير. وككل تحفة نفيسة في هذا العالم، صارت لفيفة الأعشاب مطلبا للقراصنة وصائدي الكنوز واللصوص المأجورين.

:: :: :: :: :: :: :: ::

ـ وجدتك أيتها المتهورة!
قالها فتى (في الـ 17 من عمره) وهو ينحني على حافة جرف حجري خطير كي يمد يده لإنقاذ الفتاة الصغيرة العالقة. كانت تتشبث بإحدى يديها بجذر شجرة ملتوي، محاولة الوصول إلى نبتة وحيدة ذات وريقات مخططة وبراعم مزهرة، نمت في شق الصخور.
ـ أعطني يدك الآن، أكـاسيـا !!! نظرت الصغيرة الجميلة إلى منقذها، وحركت رأسها بعناد: لا. ليس قبل أن أحصل على نبتتي!
بدت في وضع خطر، والحذاء المزخرف الصغير في قدمها يكافح للتشبث بمكانه بين الصخور، فيُسقط قطع الحصى صوب سطح البحيرة الكبيرة في الأسفل. أصرت على هدفها أكثر، وبلغت يدها النبتة فراحت تقتلعها بحذر من جذورها، في اللحظة التي خرجت من بين الصخور حشرات نمل عدوانية راحت تلدغ الصغيرة في يديها، وهي تتلوى من الألم.
لكن الصغيرة لم تستسلم. أمسكت النبتة بين شفتيها، وهي تهمس بكلمات مبهمة، وحاولت التشبث أكثر بجذر الشجرة الملتوي، و… وفجأة، انزلقت قدمها بشدة، فانبعثت من حلقها صرخة أبعدت طيور الجرف عن أوكارها. ومع الصرخة سقطت النبتة من فمها، لكنها استطاعت الإمساك بها بيدها. امتدت يد الفتى من الأعلى لتنقذها من السقوط في آخر لحظة بينما هوت فردة من الحذاء المزخرف وضاعت في الأعماق.
سحبها الفتى لأعلى حافة الجرف، تمددت على ظهرها، في استرخاء، متأملة الغيوم والأشجار العالية، وما لبثت أن هتفت بسعادة، وهي تعانق نبتتها الجديدة: أأههه أهه! حصلت عليها.
ارتمى الفتى جالسا على الأرض محاولا تمالك أعصابه، بعد لحظة الرعب التي عاشها: سوف تقتلين نفسك ذات يوم. ومن أجل نباتات توجد في كل مكان…
ـ إنها زهرة هندباء نادرة أيها المغفل! ألا ترى لونها الأحمر؟ لها راحة الخشخاش ووريقات أشبه بنجمة الراعي، وملمس كأذن الأرنب. لا شك أنها نادرة جدا، وسوف أكتشف كل أسرارهاااااي!!!
قاطعت نفسها صارخة، ونهضت جالسة وقد انتبهت إلى أن لدغات النمل احمرت بشدة: آآآخ، قرصات هذه النمال مؤلمة جدا. لكنه خطئي أنا، لو أنني فقط رششت القليل من زيت القرنفل على يدي، قبل أن أتي. آآخ سأعود إلى جدتي الآن.
ـ وقد فقدت حذائك مرة أخرى! قال الفتى فنظرت إليه وكأنها اكتشفت هذا الأمر للتو. فلم تملك إلا أن تمد يدها لتنزع فردة الحذاء المتبقية في قدمها اليسرى، ثم رمتها بأقصى قوتها، لتلحق بأختها في أعماق البحيرة: ربما تجدها حورية البحيرة، فتلبسهما معا.
وغادرت المكان حافية نحو أعماق الغابة. كانت قمم الجبال البعيدة مثلجة، وجنباتها مخضرة تتخلل الصخور أعشابها المائلة للصفرة، وقرية من الأكواخ الحجرية الجميلة. كان أحدها منعزلا وبارزا كأنه منارة بحرية يتصاعد من مدخنتها خيط دخان أبيض.
مشت (أكاسيا) وحيدة وسط الطريق الغابوية الضيقة، متجهة صوب الدرج الحجري الذي يمتد صاعدا نحو منارة جدتها. ومن بعيد، ظهر أن أحدهم كان يراقبها طوال الوقت بمنظار قراصنة. كانوا 3 رجال ذوي هيئة غريبة.
تابعها أحدهم مليا وهي تواصل الصعود، ثم همس لصاحبيه: أهي واحدة منهم؟
ـ نعم، الوريثة الأخيرة. قال الثاني، وهو يجهز بندقية صيد من طراز قديم، استعدادا للتصويب.

:: :: :: :: :: :: :: ::

بللت الجدة الحكيمة قطعة قماش ناعمة، بسائل نحاسي اللون ومررتها على موضع لدغات النمل على ذراع صغيرتها (أكاسيا) ثم لفتها بورقة نبات عريضة وضماد من الثوب وهي تقول مبتسمة: بالشفاء والهناء أيتها المغامرة!
ـ ألست منزعجة مني يا جدتي؟ سألت الطفلة في شغب دون أن تحاول التظاهر بالندم.
ـ وهل يعقل هذا؟ أنت وريثتي أكـاسيـا ! والكنز العظيم الذي ستحرسينه بعدي، يتطلب إصرارا كالذي يشع من عينيك، وشجاعة كالتي تتوهج في قلبك.
أنهت الجدة ربط الضماد، وأمسكت الصغيرة من ذقنها في حركة عقاب غير جادة وهي تتابع: ولكنه يتطلب بعض الحكمة أيضا، والتفكير العاقل. فالنباتات تنمو على مهل، ولو راقبتها لعجبت كم تحتاج من الصبر والزمن حتى تتحول من بذرة صغيرة تدفن في التراب إلى…
قطعت الجدة حديثها متوجسة، وقد تناهى إلى سمعها صرير باب يدفع ببطء، ولفتت نظرها غيمة دخان تبددت من واجهة المدفئة المشتعلة وكأن شيئا ما سد فوهتها العليا للحظة. راحت تتأمل في أرجاء المكان أمامها بحذر أثار ريبة (أكاسيا).
ـ جدتي؟!! همست الفتاة فأسكتتها الجدة على الفور بيد يسرى ثقيلة وضعتها على فمها ثم سحبتها لتقربها منها أكثر وتغطيها بردائها السميك، بينما راحت يمناها تمسك بصولجانها الخشبي بقوة وكأنها تستعد لقتال أحدهم، في اللحظة التي انبعثت فيها طرقات هادئة على الباب الخارجي، وصوت رجل يقول:
ـ المعذرة؟ قيل لنا في البلدة إن هذه منارة الحكيمة. لدينا رجل مصاب، يبدو أنه تناول العليق الأحمر في طريقنا وسط الغابة وهو يعاني الآن من مغص شديد… هل من أحد هنا؟ مرحبااااا….
ودون انتظار إذن بالدخول، دفع الباب بقدمه ودلف ممسكا بذراع رفيقه الذي يتظاهر بالعياء. بينما أطل ثالث الرجال من النافذة العريضة المقابلة وراح يحدق في الحكيمة الجالسة في الركن البعيد بابتسامة لا تتناسب مع خطورة الموقف، بينما واصل رفيقه عملية احتياله المكشوفة سائلا: هل… نجد عندك علاجا أيتها السيدة؟ كما قلت لك، أكل هذا المغفل عليقا أحمر في الغابة فكاد يهلك.
نظرت إليهم العجوز الحكيمة بريبة وحذر، وحركت رأسها متفهمة: لربما وجدت لكم شيئا مناسبا…
………………………………………………………
…………………. يتبع ………………….