HAYAO MIYAZAKI : سفير الأنيمي الياباني إلى قلوب الأطفال
ونرسم لأن الكلمات وحدها لا تكفي للتعبير عن العالم
لا أحد ينكر فضل أوسامو تيزوكا في وضع الأسس التقنية للسكة التي انطلق عليها قطار الأنيمي الياباني لكن الرجل الذي احتل مقعد السائق وقاد عرباته نحو محطاتها العالمية كان هو ميازاكي هاياو بلا أدنى شك.
«إن الطريقة التي غير بها الكمبيوتر حياتنا تجعلني حزينا. أذكر مرة أننا كنا بصدد العمل على تحريك مشهد نار متأججة فقال لي بعض الشباب العاملين معي إنهم لم يروا من قبل (خشبا يحترق في الواقع) فهم يعيشون الآن في منازل يتم تسخين مياهها عن طريق الضغط على زر. لقد أرعبني هذا كثيرا فلا أعتقد أن بإمكان أحد أن يحقق إنجازات مؤثرة في الأنيمي إذا لم تكن لديه تجارب حياة غنية».
هكذا لخص هياو ميازاكي في أحد حواراته نظرته غير المشرقة إلى مستقبل الأنيمي الياباني، مستحضرا باقة من الذكريات التي صاغت خيالاته في الطفولة وظلت كامنة في أعماق صدره حتى برعمت نجاحات منقطعة النظير في عالم صناعة الرسوم المتحركة تأليفا ورسما وإخراجا.
فتح ميازاكي عينيه عام 1941 في يابان الحرب العالمية الثانية فوجد والده وعمه يعملان في إصلاح الطائرات، ولربما كانت الفترة التي قضاها في ورشتهما هي ما أجج في صدره حب التحليق عاليا وإن لم يدرك بعد إلى أي اتجاه يريد أن يطير. وحين التحق بالجامعة ليدرس العلوم السياسية والاقتصادية، لم تمنعه جدية تخصصه من ملئ وقت فراغه بالانضمام إلى (نادي أدب الطفل) حيث دأب على ممارسة هوايته في الرسم إلى أن تخرج عام 1963 عازما على تحويل شغفه إلى مسيرة مهنية بدأها كمصمم رسوم في شركة Toei Doga حيث ساهم في العديد من الكلاسيكيات المبكرة للرسوم المتحركة، منها سلسلة Ōkami Shōnen Ken التي جمعته لأول مرة مع صديق سيمشي معه في درب الأنيمي لمسافات طويلة (إيساو تاكاهاتا).
عام 1971 انتقل ميازاكي إلى A Pro رفقة تاكاهاتا ثم إلى Zuiyo / Nippon حيث أضفى لمسته الخاصة على بعض أعمال سلسلة روائع الأدب العالمي WMT وخلال سنوات قليلة وجد فرصته الأولى للإشراف على المسلسل التلفزيوني (ميراي شونين كونان) قبل أن يرحل إلى Tokyo Shinsha لإخراج فيلمه الأول (لوبين الثالث). وكشأن كبار الحالمين الذين لا يجدون راحتهم في العمل الوظيفي، لم يستقر ميازاكي على حال قبل أن يجد فرصة أفضل مع مؤسسة Tokuma Shoten التي نشرت مانغا قصته الخيالية Nausicaä ومولت إنتاج اقتباسها الأنيمي في فيلم أقنعت إيراداته المالية المنتج توشيو سوزوكي على دعم طلب الثنائي (تاكازاكي) بتأسيس شركة إنتاج متخصصة في أفلام الأنيمي السينمائية عالية الجودة ليولد Studio Ghibli عام 1985.
وقع ميازكي بصفته مخرجا على نصف أفلام غيبلي ومنها نوزايكا (1984) رابيوتا (1986) جارنا توتورو (1988) كيكي الساحرة الصغيرة (1989) بوركو روسو (1992) الأميرة مونونوكي (1997) البرج المتحرك (2004) بونيو (2008) كازي تاشينو (2013). حصد معظمها نجاحا على المستويين النقدي والتجاري ومنحت صاحبها 77 جائزة من مهرجانات محلية وعالمية أهمها أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة في 2003 لفيلم (رحلة شيهيرو) Spirited Away .
فيما كان تاكاهاتا رائد النزعة الواقعية في غيبلي، صبغ ميازاكي أعماله بألوان من الخيال الجامح مانحا بطولتها لأطفال تفيض عيونهم بالفضول وقلوبهم بالتفاؤل. «لا أنكر أنني تأثرت كثيرا في صغري بقصص جولي فيرن الخيالية، وقد طبع هذا عددا من أفلامي بعد ذلك. لكن إن أردت وصفي بدقة فأنا رجل مرتبط أكثر بالطبيعة».
في موعد تقديم فيلمه الأخير The Wind Rises أعلن هاياو عن رغبته في اعتزال العمل في صناعة أفلام الأنيمي، مسلما مشعل الإخراج لابنه Goro Miyazaki لعله يكمل المشوار الذي رسمه هذا المهندس العظيم للأحلام واختتمه بتكريم شرفي من أكاديمية الفنون (2014) بوصفه من أكثر مخرجي الرسوم المتحركة تأثيرا في العالم.