تجربة نشر الكتاب الأول عبر عيون جودي أبوت

ومهما يحدث سأنهض في الصباح التالي ببسمة جديدة

JEAN WEBSTER ©

حين ألفت الكاتبة الأمريكية جين ويبستر قصة Daddy Long Legs منحت بطولتها لفتاة تدعى (جيروشا أبوت) ترعرعت في ملجئ أيتام لم تغادره إلا حين تدخل وصي مجهول ليتكلف بمصاريف دراستها في الكلية شريطة أن تبذل جهدها لتنجح وتصبح كاتبة شهيرة.

كتبت الرواية الأصلية بأسلوب في غاية الأناقة والمتعة، على شكل رسائل تزينها لمسات من الدعابة تبعثها جيروشا لكفيلها الطيب الذي احتارت ماذا تسميه، إذ لم تر منه يوم لاحقته غير ظل ذي ساقين طويلتين، فقررت أن تدعوه (صاحب الظل الطويل) وبدل الرسائل الشهرية التي طلبها منها كانت الفتاة اليتيمة سعيدة بالكتابة إليه كل ليلة، وقد خلق لديها هذا الأمر إحساسا بانتماء عائلي لطالما افتقدته. وما دامت قد وجدت من ينصت، فستحكي له عن تجاربها الجديدة وخواطرها العابرة بل وكامل تفاصيل يومياتها البسيطة. ولأنها آلت على نفسها منذ البداية أن تعمل بجد لتحقيق الحلم المشترك بينهما وتصير كاتبة مرموقة، فقد كانت تبذل كل ما في وسعها من أجل تجهيز مخطوطة روايتها الأولى. وإذا كانت مرحلة التأليف قد مرت بسلام، فمرحلة النشر لم تكن كذلك حسب ما ترويه جودي في رسالتها الممتعة التالية.

«عزيزي صاحب الظل الطويل، لقد حلت كارثة على مسيرتي الأدبية. لست أدري إن كان يتعين علي إخبارك بكامل التفاصيل أم لا لكنني فعلا أرغب بشيء من التعاطف، التعاطف الصامت من فضلك، فلا تفتح الجرح ثانية بالإشارة إلى هذا في رسالتك القادمة.

كنت أعمل على كتاب طوال الشتاء الماضي في الأمسيات، وطوال الصيف حين أفرغ من تدريس اللغة اللاتينية لفتاتين غبيتين. وقد أنهيته قبل أن تفتح الكلية أبوابها وأرسلته إلى ناشر. احتفظ به لشهرين وكنت واثقة أنه سيقبله، غير أن طردا سريعا وصل البارحة (بتكلفة ثلاثين سنتا) أعاد إلي مخطوطي ثانية ومعه رسالة من الناشر.

كانت رسالة أبوية لطيفة لكنها صريحة. قال إنه عرف من العنوان أنني مازلت في الكلية، وإن كنت أقبل النصح فهو يقترح أن أكرس طاقتي لدروسي وأنتظر حتى أتخرج قبل أن أبدأ بالكتابة. وقد ضمن الرسالة رأي محكم القرائة الذي يقول: «الحبكة غير ممكنة ورسم الشخوص مبالغ فيه والحوارات مصطنعة. نعم فيها قدر جيد من الدعابة لكنها ليست مقبولة دائما. أبلغها أن تواصل المحاولة وقد تؤلف كتابا حقيقيا مع مرور الوقت». ليس مجاملا بالمرة أليس كذلك يا عزيزي؟ وأنا التي ظننت أنني أقدم إضافة حقيقية للأدب الأمريكي. رباه لقد ظننت ذلك فعلا.

كنت أخطط لمفاجئتك بكتابة رواية عظيمة قبل التخرج، لقد جمعت مادتها حين كنت في منزل جوليا في عيد الميلاد الماضي، لكنني الآن أتجرأ على القول إن المحرر مصيب. ربما لم تكن فترة أسبوعين كافية لمراقبة عادات المدينة العظيمة ونمط الحياة لدى أهاليها. أخذتها معي حين كنت أتنزه بعد ظهيرة البارحة، وحين وصلت إلى محطة الغاز دخلت واستأذنت العامل في استخدام فرنه ففتح لي الباب بتهذيب. وخمن ماذا فعلت؟ لقد حشرت كل الأوراق بكلتا يدي داخل الفرن ونظرت إليها تتلاشى وسط اللهب. بدا الأمر وكأنني أحرقت جثة طفلي.

وفي الليل خلدت إلى الفراش محبطة تماما، واثقة أنني لن أكون أي شئ وأنك بددت مالك مقابل لا شئ. ولكن ماذا حدث برأيك؟ لقد استيقظت هذا الصباح وفي ذهني حبكة جديدة، فأمضيت اليوم كله في رسم شخصياتي سعيدة بقدر استطاعتي. لا يمكن لأي أحد وتحت أي ظرف اتهامي بالتشاؤم فحتى لو كان لي زوج واثنا عشر طفلا وابتلعهم الزلزال يوما ما، فسأنهض في الصباح التالي مبتسمة وأبدأ في البحث عن مجموعة أخرى». (كاتبتك الشهيرة جودي أبوت).