VENUS : حين تنطق رسوم الأنيمي لغة راقية
نظرة على مركز الزهرة للدوبلاج والإنتاج الفني بدمشق
حين تشرد بنا الذاكرة بعيدا، تتهادى أمام أعيننا رسوم متحركة سحرت طفولتنا بجمال حكاياتها وكمال شخصياتها، فتعلقنا بها دون أن ندري أن من ورائها أبطالا رائعين ظلوا ينسجون وشاحها العربي الجميل بكل حرص ومثابرة في كواليس مركز الزهرة في دمشق.
تعود الخطوات الأولى لتأسيس مركز الزهرة إلى منتصف الثمانينات، حين كان مجموعة من الفنانين الشباب والمهتمين بمجال الدبلجة يشقون طريقهم وسط حقل غير مزهر في العالم العربي، رغم وجود شركات أردنية ولبنانية بادرت إلى محاولة ملئ الفراغ وتزويد محطات التلفزيون الوطنية بأول مسلسلات الرسوم المتحركة الناطقة بالعربية. وبدعم من الشريكين ماهر وفايز (حاج ويس الصباغ) مؤسسي قناة سبيستون spacetoon وإدارة فنية من المنتج مناع حجازي، دشن مركز الزهرة للإنتاج والتوزيع الفني مسيرته في مضمار الدبلجة رسميا عام 92 بواحد من أروع المسلسلات التي عرضت في تلك الفترة (ماوكلي فتى الأدغال).
لفت المركز الناشئ الأنظار إليه لسلامة لغته واحترافية أدائه، فأوكلت له مهمة إخراج النسخة العربية للجزء الثاني من (الكابتن ماجد). عوضت أمل حويجة سهير فهد في دور البطولة، وساهمت إلى جوار زملائها في الدفع بشهرة هذا المسلسل إلى مستوى أعلى. وبتولي (يونغ فيوتشر) مهمة الإنتاج والتوزيع الفني لأعمال فينوس، واصلا معا تقديم نسخ عربية رائعة لمسلسلات عدة أشهرها الصياد الصغير وروبن هود ولحن الحياة ومدرسة الكونغ فو والنمر المقنع والماسة الزرقاء وصقور الأرض وداي الشجاع وعهد الأصدقاء ودروب ريمي والمحقق كونان. وفي مجال الرسوم ذات الطابع الغربي (الكرتون) قدم لنا روائع أخرى كالقناع ونقار الخشب والفهد الوردي وباص المدرسة العجيب.
تميز مركز الزهرة عن غيره من شركات الدبلجة في المنطقة بحرص إدارته على فصاحة اللغة وسلامة النطق، مع وضع معايير جودة عالية يلتزم بها في جميع إنتاجاته، من حيث اختياره لأعمال إيجابية هادفة ورسوم متحركة ذات نكهة عائلية فيها من التربية بقدر ما فيها من التسلية، حتى وإن اضطر في حالات كثيرة إلى تعديل قصصها الأصلية لتلائم المجتمع العربي.
وطوال رحلته كان قطار الزهرة ملتقى لأجيال من نخبة الممثلين ومؤديي الأصوات السوريين، بعضهم كان نتاجا خالصا له، فيما صعد البعض من محطات المسرح أو الدراما التلفزيونية ليصنع له مجدا آخر في عالم الرسوم المتحركة. فكان من أكثرهم مشاركة وشهرة، مروان فرحات وفاطمة سعد ومأمون الرفاعي وآمنة عمر وأيمن السالك وأمل حويجة وعادل أبوحسون وفدوى سليمان ورأفت بازو وأمال سعد الدين ومأمون الفرخ وسمر كوكش ومحمد خرماشو وأنجي اليوسف وزياد الرفاعي وميادة درويش وإياس أبو غزالة وبثينة شيا وهشام كفارنة ورغدة الخطيب ومنصور السلطي ومجد ظاظا ونضال حمادي وحنان شقير ولينا ضوا وتغريد جرجور وأمل عمران ولمى الشمندي. إلى جانب مختصين موهوبين في الجوانب التقنية كيحيى الكفري وبسام حسوني في المتابعة والإشراف، وإبراهيم سليماني وأبي سكر في الموسيقى والهندسة الصوتية، وسامر أبوحمد وإيهاب حداقي في المونتاج والإخراج الفني.
ولعل واحدة من أجمل اللمسات التي أضفاها مركز الزهرة على مجال الدوبلاج العربي للرسوم المتحركة، أنه غير تماما تلك الطريقة السطحية التي كانت تصاغ بها أغاني الشارات (وأناشيد الأطفال عموما)، معتمدا على إبداعات كتاب كلمات يعرفون كيف يجمعون بين الكلمة السحرية والصورة الشعرية، كأحمد نتوف وشفيق بيطار وإبراهيم نعيم هواري، فيما حمل قيثارة التلحين وميكروفون الغناء أساطيره الرائعون طارق العربي طرقان وعاصم سكر ورشا رزق وسونيا بيطار وعنان الخياط وهالة الصباغ.
لم يكن واضعو لبنات المركز الأولى مجانبين للصواب وهم يختارون له اسم كوكب الزهرة كرمز للعطاء والجمال. فقد ظلت «فينوس» بمراعاتها للقيم المشتركة للمجتمع العربي تساهم إلى جوار الأسرة والمدرسة في تنشئة شباب المستقبل وغمر قلوبهم بمفاهيم الصداقة الكبيرة وحب الخير والحق والسعي لتحقيق الأحلام.