كونان عبقري التحري البوليسي العالق في جسم صغير

ألغاز وجرائم في كل مكان تخفي ورائها مؤامرات غامضة

SHOGAKUKAN / TMS Entertainment

لا توجد جريمة كاملة. ومهما بلغ المجرم من الذكاء في حبك الخطط ومسح الآثار، فسوف يغفل بلا شك عن تفصيل صغير ما، لا ينتبه إليه سوى عبقري في التحري يجيد تتبع الخيوط لاستنتاج تفسير مقنع للحادث ودليل قاطع للإدانة. ومن في عالم الأنيمي يستطيع فعل هذا غير كونان، المحقق الصغير؟

بدأت سلسلة Detective Conan (المحقق كونان) على شكل مانغا بعنوان Case Closed من تأليف ورسم Gosho Aoyama منذ 1994 (المانغا من نشر Shogakukan والأنمي من إنتاج TMS) ومازالت مستمرة حتى الآن في المجلات وعلى شاشات التلفزيون على حد سواء. بإصدارات بلغت 98 مجلد مانغا (230 مليون نسخة مبيعة) و23 فيلم سينما و990 حلقة أنمي حتى الآن (2020).

يمكن اعتبارها أشهر سلسلة تحقيقي بوليسي في تاريخ الأنيمي على الإطلاق. فقد حجزت مكانها بسرعة ضمن قائمة اهتمامات القراء والمشاهدين في العالم بأسره. وهي تروي قصة الطالب الشاب سينيتشي كودو الذي تقلص جسمه بفعل عقار سري أجبر على تناوله على يد رجال منظمة إجرامية، ليجد نفسه في جسم طفل صغير سمى نفسه كونان إيدوغاوا وعاش في منزل رفيقته ران موري ووالدها كوغورو الذي كان يحاول يائسا العثور على زبناء لمكتب التحريات الخاصة الذي يديره. ولأن دماغ الفتى لم يتأثر بما جرى لجسده، فقد تكيف بسرعة مع حياته الجديدة، موظفا عبقريته في حل الألغاز والجرائم المعقدة لتقديم مساعدة سرية للشرطة، وساعيا في الوقت نفسه للعثور على العصابة التي غيرت حياته على هذا النحو العجيب.

أخذ بطل المسلسل اسمه الشخصي من آرثر كونان دويل الكاتب الإنجليزي الذي ابتكر شخصية شيرلوك هولمز، واسمه العائلي من Edogawa Ranpo المؤلف الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لرواية التحقيق البوليسي في اليابان.

وكي يعالج غوشو إشكالية المنطق الداخلي (الذي يبرر وجود هذا الطفل الصغير بشكل متكررفي مسارح الجريمة ومساهمته في تفسير ألغازها) استعان بحبكة مرافقته الدائمة للمحقق موري ـ ولكن بشكل أكبر ـ بمجموعة من الأدوات التكنولوجية،التي يصنعها له المخترع أغاسا (اسمه مقتبس أيضا من أغاثا كريستي) كإبر التخدير التي تسهل عليه تنويم المحقق كوغورو، وربطة الميكروفون التي تسمح له بتقليد صوته ليوهم الجميع أن الرجل الذي كان إلى عهد قريب مجرد متحري فاشل يرفض الناس تكليفه بأية مهمة، قد اكتسب عبقرية مفاجئة يحل بها أعقد الجرائم ويطيح بأعتى المجرمين.

ورغم منح بطولته لطفل يافع (ووجود شخصيات صغيرة أخرى كفريق المحققين) إلا أن قصص حلقات المسلسل تبدو في معظمها وكأنما كتبت للكبار، بإبداع مميز وتفكير عميق وحبكة مقنعة، مع الكثير من الغموض والإثارة والتشويق. فتمكن من شد اهتمام المشاهدين على اختلاف أعمارهم واكتسب قاعدة جماهيرية عريضة تتابع تفاصيله بدقة، منتظرة اللحظة التي يكشف فيها كونان (بل مؤلفه غوشو أوياما) الستار عن خفايا المنظمة السوداء، لعله يستعيد جسده الطبيعي وشخصيته الحقيقية.

لم يكن المحقق كونان في حاجة إلى الكثير من الوقت كي يصل إلى هذا المستوى من العالمية، فالمسلسل ـ والأفلام الموازية له ـ والشخصية والقصة والحبكة كلها كانت منذ البداية تحمل في طياتها بوادر نجاح ساحق. ولهذا لم تتأخر سبيستون قناة شباب المستقبل في ترخيصه وتقديمه في نسخة عربية متميزة من دوبلاج مركز الزهرة في دمشق، وبأصوات نجوم الصف الأول: أمال سعد الدين مروان فرحات سمر كوكش محمد خير أبوحسون آمنة عمر رأفت بازو أسيمة يوسف أميرة حذيفي رغدة الخطيب وغيرهم.

لقد أصبح كونان من أيقونات الأنيمي الياباني ـ على غرار فتى الفضاء أسترو بوي وماروكو الصغيرة ودورايمون العبقري وبيكاتشو البوكيمون اللطيف ـ التي تعتز بها البلاد بأسرها، وتستفيد منها في حملات دعائية وتحسيسية متنوعة، تثبت أن شخصيات الأنيمانغا قد تولد في عالم الخيال، ولكنها تستطيع أن تغير الكثير في الحياة الواقعية، وهذا أحد جوانبها الساحرة التي مازالت تدهشنا في هذا العالم.