بين فيلملي وفينوس: رحلة في عالم دبلجة الرسوم المتحركة
معايير تربوية ولغوية رجحت كفة مركز الزهرة السوري
قبل أن يستلم مركز الزهرة بدمشق دفة قيادة سفينة الدوبلاج العربي في بحر الأنيمي الساحر، كانت هناك مبادرات عربية أخرى، لبنانية وخليجية وأردنية أخذت على عاتقها تنفيذ هذه المهمة، مساهمة بجهود كبرى في التأسيس لفن رسوم متحركة ناطقة بلسان الضاد.
حتى النصف الثاني من عقد الثمانينات، لم يكن هناك حضور لشركات إنتاج سورية في مجال دبلجة الرسوم المتحركة رغم أن مجموعة من الفنانين السوريين شاركوا في بعض الأعمال المدبلجة في لبنان والأردن والخليج. ويعود السبب الرئيسي لهذا إلى أن قطاع الإنتاج الفني في بلاد الشام ظل مقتصرا على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري، إلى أن ظهرت قوانين جديدة شجعت العديد من الشركات على دخول الساحة الفنية.
لكن غير بعيد عن دمشق، كانت تجارب الدبلجة اللبنانية رائدة في مجال الرسوم المتحركة مؤسسة لحقبة مزهرة دامت عشرين سنة ما بين 1975 و1995 وأنارت مشعلها مؤسسات عدة أبرزها شبكة التلفزيون اللبناني وفيلملي (نيقولا أبو سمح) وأستوديو بعلبك ومؤسسة لبنان والمشرق. وقبل أن تتجه نحو دبلجة المسلسلات الدرامية المستوردة من المكسيك (وتركيا وكوريا لاحقا) قدمت لنا أعمال أنيمي لا يمكن أن تنسى، منها جرندايزر وساندي بيل وجزيرة الكنز وسانشيرو ونينجا المغامر وسندباد والسنافر وبيل وسبستيان. ورغم مساهمتها في صناعة طفولة عربية من الزمن الجميل، وحرصها على أمانة الترجمة وجودة الصوت، إلا أنها لم تنج من هفوات فنية وعوائق تقنية حدت من جاذبية أعمالها بشكل أو بآخر.
في بلدان الخليج، ظهرت (بدعم من مؤسسة الإنتاج المشترك) مبادرات متميزة في عالم دبلجة الرسوم المتحركة إلى اللغة العربية، ونجحت في إنتاج لائحة من العناوين الرائعة، لعل من أبرزها عدنان ولينا وليدي أوسكار وحكايات عالمية. قبل أن تتميز المدرسة الأردنية بتقديمها لباقة من الأعمال الكلاسيكية التي تركت أثرا أجمل في قلوب جيلي الثمانينات والتسعينات، مساهمة بدورها في تعزيز اللغة العربية وتثبيت القيم المجتمعية، عن طريق مسلسلات خالدة من قبيل الرغيف العجيب وشما في الواحة الغناء وصاحب الظل الطويل والأحلام الذهبية، وأليس في بلاد العجائب. ومن أشهر الأسماء التي تألقت في هذا الفن آنذاك إيمان هايل التي أبدعت في دور جودي أبوت، وقمر الصفدي المتخصصة في دور (الراوية) لمسلسلات عدة ومؤدية صوت الآنسة منشن في مسلسل سالي، إلى جانب سهير فهد التي تقمصت دور الكابتن ماجد (في جزئه الأول).
قبيل فجر التسعينات دخل الإنتاج الصوتي السوري على الخط، ورغم المنافسة الشرسة بين عدة أستوديوهات (كشركة تنوير، والشام الدولية) إلا أن مركز الزهرة للدوبلاج (فينوس) سرعان ما فرض سيطرته على المجال مدشنا مسيرته الرسمية عام (1992) بواحد من أروع المسلسلات التي عرضت في تلك الفترة (ماوكلي فتى الأدغال). بإشراف فني حرص على جعله عملا متميزا بأصوات نخبة جيدة من المدبلجين السوريين على رأسهم أمل حويجة وأنجي اليوسف وفاطمة سعد ومازن الناطور وأيمن السالك وجمال نصار، وبأغنية شارة كتبها ولحنها طارق العربي طرقان بأسلوبه الفريد الذي وضع حدا للسطحية التي كانت تطبع أغاني الرسوم.
ومع الإمكانات الاستثمارية الهائلة التي رصدها الإخوة ويس (فايز الصباغ وماهر الحاج) لمشروعهما التعليمي الترفيهي الجديد، تمكنا عبر شركات فرعية متخصصة من شراء تراخيص إنتاج وتوزيع النسخ العربية لعدد كبير من مسلسلات الرسوم المتحركة اليابانية، مانحين مركز الزهرة فرصة التركيز على أدق تفاصيل عملية الدوبلاج، لتقدم لنا روائعها تترى كالصياد الصغير وروبن هود ولحن الحياة ومدرسة الكونغ فو والنمر المقنع والسباق الكبير وكريسوفر كولمبوس وفي جعبتي حكاية. ومع النجاح الكبير الذي حققته أعمال الزهرة من جميع الجوانب الفنية والتجارية، واصلت دبلجة قائمة طويلة أخرى من الأعمال المميزة منها الماسة الزرقاء والرمية الملتهبة وفلة والأقزام السبعة وصقور الأرض وداي الشجاع وباص المدرسة العجيب وعهد الأصدقاء ودروب ريمي والمحقق كونان.
وبحلول الألفية الجديدة (عام 2000) أطلقت قناة سبيس تون للأطفال، والتي تحولت إلى حضن يضم جميع الأعمال التي تدبلج في أستديوهات الزهرة، ليواصل فنانو المؤسستين إتحاف متابعيهم بأشهر وأفضل إنتاجات الأنيمي بلسان عربي يمزج المعنى السليم الهادف بالأداء الفصيح المدهش.