كيف تحيك أغاني شارات الأنيمي خيوط نسيجنا الوجداني؟

سبيستون كنموذج مؤثر في تنشئة جيل الطفولة الذهبية

PIERROT / ASHI PRODUCTIONS ©

منذ وقت مبكر أدركت شركات الإنتاج الرائدة في مجال الرسوم المتحركة مدى التأثير الذي تتركه شارات البداية الموسيقية في نفوس متابعي مسلسلاتها، فحرصت على إبداعها باهتمام أكبر يجعلها أيقونات فنية لا تمحى من الذاكرة.

بوصفها بوابة الدخول إلى عالم كل مسلسل جديد، تمتلك شارة البداية (Opening Song) قدرة عجيبة على جذب اهتمام المشاهدين وتعميق ارتباطهم الوجداني بالأنيمي إلى درجة لا تصدق. وحتى حينما تتلاشى ملامح الشخصيات وتفاصيل الأحداث، تبقى سطور الأغنية ذكرى حنين لا يطالها النسيان.

لكن هذا الرابط المتين لا يتوثق إلا حين يبدع الأغنية تأليفا وتلحينا وأداء وتوزيعا فريق عمل ذو ثقافة موسيقية عالية وذوق أدبي راق، يبتعد بها عن السطحية والابتذال ويعاملها كقصيدة صغيرة الحجم كبيرة المعاني. وهو ما لم نشهده في الواقع العربي إلا مع مركز الزهرة (Venus) السوري الذي قدم في هذا المجال أعمالا رائعة معتمدا على ثقافة مؤلفين يعرفون كيف يجمعون بين الكلمة السحرية والصورة الشعرية، كأحمد نتوف وشفيق بيطار وإبراهيم نعيم هواري، وبراعة فنانين على درجة عالية من الحس الإبداعي كطارق العربي طرقان وعاصم سكر ورشا رزق وسونيا بيطار وعنان الخياط وهالة الصباغ.

لقد صنع هذا الطاقم باحترافية واضحة إطارا فنيا فريدا نسجت على أركانه معظم الأغاني الجميلة التي قدمتها فينوس وسبيستون، كشارات بداية ونهاية أو كمقاطع ترويجية أو متضمنة وسط الحلقات، فانسابت في سهولة تسحر المسامع وتأسر القلوب، مستمدة ألقها من حقل دلالي في غاية الثراء يمتح من مفاهيم الحب والأمل والخير والعمل والنجاح والفشل والسعي إلى تحقيق الأحلام بلا كلل.

«يحتاج الصغار إلى من ينمي ذائقتهم ومعرفتهم وقيمهم، بعيدا عن تلك الصيغ الضحلة التي تكشف عن استخفاف كبير بمدى ما يمكنهم استيعابه. فلا ينبغي أن تكون كل إبداعاتنا لهم عن الأرنب والبطة وحروف الهجاء.. لأنهم أذكى من هذا بكثير». يقول طارق العربي طرقان في أحد حواراته الصحفية، معبرا عن رؤية فنية أضحت أسلوبا يميز كل المقطوعات التي تحمل توقيع سبيستون والشركة المشرفة عليها (GNAM).

إنها ليست مجرد أغنيات، بل رسائل ذات أثر عميق ساهمت بلمسة «رومنسية» في البناء الوجداني لشباب المستقبل، لتشكل أركان شخصياتهم وتعلي من مستوى أحلامهم وتغرس في أعماق أنفسهم أطيب المعاني وأرقى القيم. فتراهم يستلهمون الشجاعة من «روبن هود» حين يقاتل كي يكون للأصحاب خير صديق، والتفاؤل من «روميو» مادام الأمل خيارا لمتابعة الطريق. يتعلمون من الفتى «سامي» تقدير مكانة الأم وحفظ ذكراها حبا وحنينا، ومن الكابتن «شامل» مطاردة الأماني عزما ويقينا. وينسون مع «ريمي» الحزن شوقا للغد الأفضل، ويدفعون خطاهم رفقة «أبطال الديجتال» بثبات نحو المستقبل. ومثل نبتة صغيرة تتشرب أفئدتهم كل تلك الأحاسيس السامية مغلفة بلحنها الموسيقى العذب فتطبعها بخصال مميزة يصعب بل يستحيل أن تجدها لدى من يقضي وقته أمام قنوات عربية أخرى تطفلت بشكل مزعج على عالم الطفولة والأنيمي وملأت ساعات بثها بمسلسلات كرتون تافهة أو أغاني عائلية بغيضة.

ليس عبثا إذن أن يطلق البعض على فئة من مواليد الثمانينات والتسعينات لقب (جيل الطفولة الذهبية)، فرغم أن من قبلهم كبروا في بيئة أكثر أصالة ومن بعدهم حظوا بفرصة أفضل للانفتاح على العالم، إلا أن أولئك الذين وجدوا أنفسهم في العاشرة من عمرهم عندما شرعت قناة سبيستون في بثها أو عاشوا قبلها عقدا كاملا مع مسلسلات فينوس على القنوات المحلية، فتحوا أعينهم الصغيرة على حديقة غناء أزهرت في صدورهم مشاعر لا تأفل وأحلاما لا تذبل.