ISAO TAKAHATA : رجل الظل الذي تنير دربه اليراعات

قابل جموح ميازاكي الخيالي بلمسته الواقعية العميقة

TAKAHATA / STUDIO GHIBLI ©

مع أن إيساو تاكاهاتا لم ينل من أضواء الشهرة ومجدها مثلما نال رفيق دربه المهني وشريكه في (أستوديو غيبلي) هاياو ميازاكي، إلا أن ذلك لم يزعجه بالمرة ولم يؤثر على خياره أن يبقى دائما رجل الظل الذي يعمل متكئا على الجدار.

ما كاد إيساو تاكاهاتا يختم دراسته الجامعية عام 1959 بشهادة في الأدب الفرنسي، حتى وجد نفسه يميل إلى اختيار طريق غير الذي أرادته له الأسرة، منجذبا إلى سحر السرد القصصي في عالم الرسوم المتحركة، لذا لم يتردد لحظة عندما لاحت له أول فرصة للانضمام إلى فريق العمل في شركة Toei Doga حيث ساعد في إخراج عدد من كلاسيكيات الأنيمي المبكرة، ومنها سلسلة Ōkami Shōnen Ken التي جمعته لأول مرة بصديق سيمشي معه في درب الأنيمي لمسافات طويلة (هياو ميازاكي).

عام 1971 انتقل تاكاهاتا إلى A Pro (عرفت لاحقا بإسم Shin-Ei Animation) رفقة ميازاكي وبعدها إلى Zuiyo (نيبون أنيميشن) والتي أشرف داخل أروقتها على إخراج ثلاثة مسلسلات من WMT رسمت النمط الذي سارت عليه بقية السلسلة لأزيد من عشرين عاما. هايدي فتاة جبال الألب (1974) ورحلة ماركو أو 3000 فرسخ بحثا عن أمي (1976) وآن ذات الشعر الأحمر (1979) كان خلالها حريصا على الإبداع في التفاصيل الصغيرة مع احترام المسار القصصي للروايات الأصلية كما ألفها أصحابها. ومع كل السحر الذي امتلكته شخصيات مسلسلاته تلك، لم تفلح في إجباره على مواصلة العيش معها في بلداتها الريفية الجميلة. «في لحظة ما أحسست أنني بت أعرف الحياة في الغرب أكثر مما هي في بلادي، وقد أخافني هذا الأمر فأردت فقط أن أعود إلى أسلوب ياباني، ولهذا فبعد مسلسل Anne of green gables لم أشرف على أي فيلم أو مسلسل تدور أحداثه في الخارج». يحكي تاكاهاتا عن تلك التجربة.

سنة بعد أخرى راكم الشاب خبرات قيمة في مجال العمل التلفزيوني دون أن يتخلى عن حلمه بإنجاز أعمال عظيمة لشاشة السينما. وقد منحته توي دوغا نفسها فرصته الأولى كمخرج لفيلم (أمير الشمس) وبعدها كلفته Oh!Pro بإدارة مشروع (غوشو عازف الكمان)، لكن تدخلات المنتجين ظلت تقيد عمله بشكل مزعج حتى حلت سنة 1985 فكانت أحد المنعطفات الأكثر تأثيرا في حياة تاكاهاتا، إذ وافقت شركة توكوما شوتين على تمويل المشروع الذي تقدم به رفقة زميليه هياو ميازاكي وتوشيو سوزوكي بشأن تأسيس أستوديو غيبلي المتخصص في أفلام الأنيمي السينمائية عالية الجودة.

كان غيبلي خلية النحل التي أنجز تاكاهاتا في ورشاتها أفلاما خالدة أشهرها قبر اليراعات (1988). «كانت القصة داكنة وحزينة نوعا ما فلم يتحمس منتجنا لها لكنه عدل عن رأيه بعد فترة فقررنا أن نشتغل عليها في الوقت نفسه الذي يعمل فيه ميازاكي على فيلمه (جارنا توتورو) كي يصدرا في وقت واحد. كان فيلم Hotaru no Haka مغامرة جميلة بحق، وقد تأثرت جدا باستقبال الناس له». ثم ألحق به أعمالا أخرى منها مطر الذكريات (1991) بومبوكو (1994) وعائلة يامادا (1999). وإن لم تحقق النجاح التجاري المطلوب في عائدات شباك التذاكر، إلا أنها كانت دوما تثير اهتمامات النقاد لعمق القضايا الإنسانية المعقدة التي تختفي وراء رسومها.

ولأن تاكاهاتا يحب أن يعمل في صمت، فقد غاب لـ 15 سنة كاملة، قبل أن يعود بعملين جديدين رشح بهما للأوسكار عن حكاية الأميرة كاغويا (2013) مخرجا والسلحفاة الحمراء (2016) منتجا، لتكون أعماله في مجملها قد نالت 16 جائزة محلية وعالمية تعبر عن جزء يسير من التكريم الذي استحقه رجل الظل هذا قبل أن تخبو شعلة روحه المبدعة ويرحل عن عالمنا متأثرا بإصابته بسرطان الرئة في الخامس من أبريل (2018).