آن شيرلي : ولنا في الخيال حياة أخرى

السيرة الرومنسية الجميلة لشما في البراري الخضراء

STUDIO NIPPON ©

بقدر ما كانت (آن شيرلي) بطلة رواية (Green Gables) مثيرة للإعجاب لما امتزج في كيانها من أدب جم ورقة رومنسية وخيال ساحر، كانت في الوقت نفسه تترك انطباعا عجيبا بأنها ليست مجرد شخصية في رواية بل فتاة حقيقية من نوع جميل نادر.

كان عام 1908 فارقا في حياة الكاتبة الكندية Lucy Maud Montgomery إذ نشرت كتابها الأول Anne of Green Gables مستلهمة فكرته من قصاصة خبر طالعته في جريدة محلية عن أسرة تبنت صبية بدلا من صبي على سبيل الخطأ، وأضافت إليها الكثير من ألوان الخيال ونكهات الرومنسية المقتبسة من حياتها الخاصة كما عاشتها وسط جزيرة الأمير إدوارد، لتصنع منها رواية جذابة حققت نجاحا فوريا، فبحلول نوفمبر 1909 كان الكتاب قد طبع بالفعل ست مرات ومع كل طبعة جديدة كان صيت مونتغومري يمتد أبعد من جزيرتها الريفية، ويفتح لها بوابة درب طويل في التأليف الأدبي.

ترصد القصة مسيرة الطفلة (Anne Shirleyشما (كما هو اسمها في النسخة العربية) منذ أن حظيت بفرصة مفاجئة لمغادرة الميتم وانتقلت للعيش في مزرعة البراري الخضراء مع مفيد (Mathew) الطيب وأخته منيرة (Maurilla) الصارمة، مزينة حياتهما الرتيبة بألوان من الحب والمرح والخيال جعلت الزمن يمضي بسرعة، فإذا بشما الصغيرة تكبر بين ليلة وضحاها وتغدو طالبة مجتهدة وفتاة عاقلة ومعلمة محترمة (ثم زوجة وأما وسيدة مجتمع في الأجزاء الـ 8 اللاحقة من الرواية).

أهدت لوسي بطلتها الصغيرة الكثير من صفاتها النفسية خاصة خيالها الرومنسي وحبها للطبيعة، فنسجت في شخصيتها الطبع الانطوائي (introvet) الذي يجعلها حالمة ذات خاطر يفيض بالإبداع، والطبع الانفتاحي (extrovet) الذي يمنحها قدرة عجيبة على الكلام والتعبير العفوي. فهي فتاة ساحرة تدخل القلب بسهولة فلا تكاد تغادره وإن فعلت تركت من خلفها مشاعر لا تأفل وذكريات لا تذبل.

كشأن أي طفلة، لـ(شما) عُقدها الصغيرة التي تسبب لها بعض المعاناة بل تحول حياتها أحيانا إلى «مقبرة واسعة للآمال المفقودة» حسب تعبيرها الشخصي، فهي لا تطيق شعرها الأحمر وتكره النمش على وجهها وتتمنى لو كانت لديها غمازتان في وجنتيها «فلو كانت لدي غمازتان لربما كنت أستطيع أن أؤثر بشكل طيب على الآخرين». أما إن سألتها عن ماضيها فستقول لك بلا تردد «ما أعرفه عن نفسي لا يستحق، فإن سمحت لي أن أحدثك بما أتخيله عن نفسي فلربما وجدته ممتعا للغاية».

وقد كان هذا النوع من المحاورات الخيالية لطيفة الكلمات عميقة المعاني هو أكثر ما منح القصة جاذبيتها المدهشة تلك، فكلما تحدثت (شما) جائت عباراتها بريئة حلوة محببة إلى النفس، تعزف على أي نغم تشاء ولا تبالي وإن وصفها من يعيشون «في الواقع» بأنها مجرد ثرثرة فارغة.

جذبت الرواية اهتمام منتجي شركة نيبون أنيميشن Nippon Animation عام 1979 فعملوا على اقتباس فصلها الأول في مسلسل رسوم متحركة من 50 حلقة بعنوان (Akage no Anne) حرص المخرج إيساو تاكاهاتا على أن تكون جميع تفاصيله مطابقة لقصة مونتغمري، فيما أبدع زميله هياو ميازاكي في تصميم الشخصيات، ليكون واحدا من أفضل وأنجح مسلسلات روائع الأدب العالمي التي تعاون فيها الرجلان قبل تأسيسهما لأستوديو Ghibli.

تمت دبلجة مسلسل (آن ذات الشعر الأحمر) إلى لغات عدة وبث على محطات تلفزيونية في مختلف أنحاء العالم، فجائت النسخة العربية (شما في البراري الخضراء) بتوقيع أردني من إنتاج Glory Production تحت إشراف عاكف نجم، وبأصوات رانيا فهد (التي أبدعت كثيرا في دور شما) وهالة عودة وماهر خماش وفخر عناني والراوي إياد نصار. وكانت من الدبلجات النادرة التي تميزت بأداء عالي المستوى رغم بعض أخطاء الترجمة والإعداد.