حكاية الأميرة كاغويا : تطول قصبة الخيزران لكي ترى القمر

آخر لمسات تاكاهاتا بحبر تراثي وألوان من خشب

STUDIO GHIBLI ©

لكل بلاد حكاياتها الشعبية القديمة التي لا تحتاج غير لمسة مبدع ينفض عنها غبار النسيان فتبعث من جديد ساحرة تفيض بالتشويق والإثارة. وهذا ما فعله إيساو تاكاهاتا حين اقتبس قصة قاطع الخيزران في آخر أعماله بأستوديوهات غيبلي.

كعادة أستوديو غيبلي في العمل على فيلمين منفصلين خلال الوقت نفسه، سعيا للاستفادة القصوى من تلك المنافسة الخفية بين رائديه الكبيرين هياو ميازاكي وإيساو تاكاهاتا، جاء العام 2013 ليعلن عن شريطين جديدين قد يكونان آخر ما يخرجه هرما الأنيمي الياباني. فقد أعلن ميازاكي عن توقف مسيرته المهنية مباشرة بعد صدور (Kaze Tachinu) فيما يتقدم العمر بتاكاهاتا الذي غاب 15 عاما عن المشهد السينمائي ثم عاد بفيلم كتب بحبر تراثي ورسم بألوان خشبية منحه عنوان (حكاية الأميرة كاغويا) فنال به عدة تقديرات محلية وعالمية وترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة عام 2015.

عاد تاكاهاتا إلى صفحات غابرة من الماضي ليقتبس قصة الفيلم من حكاية شعبية من التراث الياباني القديم عنوانها الأصلي (حكاية قاطع الخيزران) تعود للقرن العاشر الميلادي مما يجعلها أقدم نص سردي من هذا النوع في البلاد. وعلى شاكلة حكايات المساء التي ترويها الجدات الحكيمات للصغار الفضوليين، تنساب أحداثها مثل جدول ماء بطيئة تنعطف بلا مفاجئات، لتروي قصة طفلة صغيرة (تاكينوكو كما لقبها أصدقائها) عثر عليها قاطع قصب كهل في أحد حقول الخيزران فرعاها حتى كبرت لتتغير حياتها بالتدريج من صبية قروية إلى أميرة منحت لرشاقة جسمها وجمال وجهها اسم «كاغويا».

خلال العرض الأول للنسخة الفرنسية بمدينة ليون، أجرى تاكاهاتا مقابلات صحفية تحدث فيها عن قصة الفيلم قائلا «إنها ليست أسطورة بل حكاية من الخيال الرومنسي، وكشأن العديد من الحكايا القديمة فقد ضاعت تفاصيلها. وإن كان معظم اليابانيين يعرفون نصها الأصلي فإننا لا نفهم ما وراء الأحداث، فعلى سبيل المثال لا نجد تبريرات لماذا ترفض الفتاة كل خطابها ولماذا تعود إلى القمر في النهاية؟ لذا كانت فكرة الفيلم هي تكييف هذه القصة بطريقة تسمح لنا بفهم الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا المسار، فجعلنا كاغويا تتعلق بحياتها الريفية البسيطة السابقة وذكرياتها مع صديق طفولتها سوتيمارو».

بأسلوب إيساو تاكاهاتا الواقعي الذي يحرص على الانتباه إلى التفاصيل الصغيرة في كل لقطة، ظهرت مشاهد الفيلم بألوان خشبية وكأنها رسمات طفل متقنة زادها التحريك ألقا فغطى الإبداع الأنيمي على رتابة القصة وخلوها من الشخصية الشريرة التي عادة ما تمنح القصص عامل التشويق والإثارة. «كان Osamu Tanabe واحدا من أهم أعضاء فريقنا الفني، والمسؤول عن تصميم الشخصيات وبحسب ما أعرف فإنه لم يعتمد على أي نموذج واقعي لرسمها بل كانت متخيلة بالكامل. ولأننا في هذا النوع من القصص نتحدث عن أميرة قيل لنا أنها ذات جمال لا يصدق فقد كنا في موقف مربك نوعا ما ولم نعرف أي ملامح نمنح كاغويا حتى تصير شخصية تنبض بالحيوية وتكون في الوقت نفسه جميلة بشكل غير عادي».

حظي الفيلم باستقبال طيب من المشاهدين وتقدير من النقاد، لكنه مع ذلك لم يحقق نفس النجاح التجاري الذي حصده هياو ميازاكي في فيلمه الأخير. «وأجد نفسي أميل إلى تفسير هذا بكونه شكلا من أشكال عدم الثقة من جانب الجمهور في العمل الأصلي. فهذه الحكاية وإن كانت معروفة لدى الجميع إلا أنها أبقت على جوانب مبهمة ربما جعلت الناس يتسائلون عن جدوى الذهاب إلى السينما لمشاهدة اقتباس لهذه القصة القديمة». على رأي تاكاهاتا.