المانغا والكوميكس في تاريخ مجلات العالم العربي
من مغامرات غرندايزر إلى محاولات سوار الذهب
بالرغم من العدد الهائل لمحبي الثقافة اليابانية في العالم العربي وخاصة فنون القصص المرسومة والرسوم المتحركة، إلا أننا لا نجد لحد الآن أية مجلة موجهة للصغار أو الكبار تستحق أن توصف بأنها مجلة مانغا.
كانت سنوات السبعينات والثمانينات شاهدة على أعمال متميزة جمعت بين المتعة والفائدة وسدت الفجوة التي كانت تفصلنا عن كثير من منتجي هذه الثقافة بمختلف أوجهها. فبفضل شركات مشرقية (من لبنان والأردن والعراق أساسا) استقبلت شاشاتنا أولى مسلسلات الأنيمي بعيد سنوات قليلة من إنتاجها الأصلي في اليابان، وهكذا استمتعت أجيال محظوظة بمغامرات سندباد وغرندايزر والكابتن ماجد وغيرهم من أبطال الطفولة. أما في الشق الورقي فلم تكن أكشاك الصحف تخلو من مجلات أطفال متنوعة تخفي بين صفحاتها قصصا مرسومة بأنامل عربية، أو مترجمة عن أصلها الياباني أو الغربي.
كان أول الغيث بمجلة سندباد التي بدأ إصدار أول عدد منها في يناير 1952 وظلت خلال عمرها القصير توزع في كل أنحاء الوطن العربي إلى غاية 1960. ثم مجلة سمير التي صدرت أسبوعيا عن دار الهلال (1956-2002) في 16 صفحة ملونة وكانت من أولى المجلات التي نشرت الكوميكس باللغة العربية. وفي ربوع مختلفة ما بين المحيط والخليج، ظهرت مجلات أخرى عديدة لعل أشهرها (بلبل) و(علاء الدين) و(قوس قزح) ثم إلى عهد قريب مجلات (باسم) و(نيلوفر) و(العربي الصغير) و(ماجد).
وعدا عن المجلات المتسلسلة، كانت دور النشر في لبنان توزع طبعات دورية لحلقات مرسومة وملونة لأشهر مسلسلات الأنيمي أنذاك. فتحت عنوان (ما وراء الكون) نشرت مغامرات دايسكي وغرندايزر بلغة عربية سليمة. وفيما كان طرزان وسوبرمان يغزوان البلدان العربية التي تعتمد الإنجليزية كلغة ثانية، كان تانتان وميلو والسنافر يتجولون بحرية في البلدان ذات النهج الفرنسي. في ربيع 1988 صدرت عن مؤسسة «يونغ فيوتشر» مجلة كابتن ماجد (لا علاقة لها بمجلة ماجد الإماراتية للأطفال) في 30 صفحة تعنى بنشر قصص قصيرة من الكومكس ذات الطابع الرياضي، وقد اكتفت في بدايتها بنشر قصص مصورة بعنوان (ماجد والحذاء القديم) مقتبسة عن Billy’s Boots من مجلة Scorcher البريطانية، وتدور حول فتى يدعى (بيلي) لديه شغف بكرة القدم ويريد الالتحاق بفريق مدرسته لكن تعوزه الموهبة إلى أن عثر على حذاء سحري جعل منه لاعبا ماهرا.
ولأن العدد الرابع منها تزامن مع الموسم الأول للدبلجة العربية لسلسلة الأنيمي التلفزيوني (كابتن تسوباسا) سنة 1990، فقد كان لها دور هام في الترويج للحلقات التلفزيونية اللاحقة. إذ تم تعويض السلسلة الأوروبية بنظيرتها اليابانية مع الاحتفاظ باسم «الكابتن ماجد» كعنوان للسلسلة واسم للشخصية الرئيسية، وتواصل نشر المجلة حتى العدد السابع حين توقفت عن الصدور.
في وقتنا الحديث، ساهم التطور التكنولوجي الذي طال عوالم الحواسيب وشبكات الأنترنت في تقريب خبايا المانغا والأنيمي من الجميع، فظهرت ثلة من الشباب العرب الذين دخلوا المجال وفي قلوبهم رغبة الإنتاج لا الاستهلاك، لكنهم لم يجدوا غير المنتديات فسحة لنشر إبداعاتهم الأولى، وإن كانت في أغلبها متسرعة غلب عليها التقليد والتسطيح، ولم تتمكن من تجاوز العمل الفردي إلى المشروع الجماعي، فآلت في مجملها إلى الفشل، إلا محاولات قليلة تمكنت من تحقيق بعض النجاح، ومن بينها مجلة «خيال» التي وصفها فريق عملها بأنها تختص بالقصص التي يؤلفها ويكتبها ويرسمها ويديرها شباب من الوطن العربي، وتباع في المكتبات والمحطات في جميع أرجاء الإمارات العربية المتحدة، وقد توقفت عن الصدور بعد إنتاجها لثمانية أعداد فقط . وفي الإمارات أيضا، أسس قيس صدقي شركة (pageflip) ووظف رسامين يابانيين لرسم قصته الأولى (سوار الذهب) التي أصدرها في مجلدين ونال عنها جائزة الشيخ زايد لأدب الأطفال. ولا يبدو أن إنتاجات الشركة قد تعدتها إلى غيرها. ليبقى الإنتاج المحترف المتواصل للمانغا والأنيمي في العالم العربي حلما لم يكتب له التحقق بعد.