جيوم ميسو يأخذنا في أربع وعشرين رحلة خلال «لحظة راهنة»

لأن الركض أمام الزمن سيبقى دائما خيارنا الوحيد

XO EDITIONS ©

هي اللحظات الزمنية نفسها غير أنها تمرق سريعة على البعض وتتهادى بطيئة حول الآخر. فكيف يمكن الحفاظ على العلاقات مع أناس يعيشون حياتهم العادية الرتيبة بينما ترمي بك الرياح مطلع كل يوم في اتجاه جديد؟

لو أردنا أن نصف هذه الرواية بكلمة واحدة لما وجدنا أنسب من القول أنها «مرهقة». مرهقة إلى أبعد حد، تتعبك وأنت تشعر أنك موضع البطل، تصحو وتغيب، تركض لمدة عام كامل في 24 ساعة. تحيا يوما واحدا في السنة، وعليك أن تحياه بأسرع وأكمل ما يمكن، تخاف عقارب الساعة بل تكرهها وتنتظر الأسوأ وأنت على يقين أنه سيأتي لا محالة. سيأتي وسيكون أسوأ مما انتظرت. وحتى لحظات الفرح حينما تزورك من حين لآخر، يجعلها خوفك من تلاشيها السريع عديمة المذاق.

إذا كان المؤلف الفرنسي جيوم ميسو (1974) يعتبر اليوم واحدا من أشهر مؤلفي بلاد الأنوار وتحتل كتبه أعلى قوائم أفضل المبيعات، فإن مسيرته بدأت في الواقع بشكل مختلف، حيث دأب منذ طفولته على قراءة الكتب والمسرحيات، حتى أصبحت لديه قناعة حقيقية بأنه سوف يكون روائيا يوما ما. وحين غادر إلى الولايات المتحدة في سن التاسعة عشرة، أقام في مدينة نيويورك لعدة أشهر معتمدا على بيع الآيس كريم كوسيلة لاكتساب رزقه! وهناك رصدت عيناه مظاهر حياة مختلفة فعاد إلى موطنه فرنسا بعد سنوات وعقله مليء بأفكار روايات عديدة.

أصدر أول أعماله في 2001 دون أن يفلح في فتح بوابة الشهرة، لكنه تابع المحاولة بعد ذلك حتى حققت أعماله الروائية نجاحا كبيرا وترجم بعضها إلى أكثر من عشرين لغة، ولعل أهمها: عائد لأبحث عنك (2008) فتاة من ورق (2010) بعد سبع سنوات (2012) فتاة بروكلين (2016) شقة في باريس (2017) و L’instant Présent التي نتحدث اليوم عن نسختها العربية التي ولدت بعنوان لحظة راهنة (2018) مترجمة من المركز الثقافي بالمغرب.

تبدأ أحداث االرواية متشابكة منذ أول وهلة، بحصول الطبيب الشاب أرثر كوستيلو على منارة بحرية قديمة ضمن نصيبه من إرث وصية والده، مع تحذير واضح: «إياك أن تفتح باب القبو». ولأن هذا النوع من التحذيرات عادة ما يأتي بنتيجة عكسية، فقد بدا واضحا أنه سيكون بؤرة تشويق الرواية ومركز أحداثها ومصائبها أو لعناتها بتعبير آخر. ومنذ تلك اللحظة تتغير حياة أرثر بشكل غريب لا يصدق، وتتقلص الأزمنة من حوله لتمنحه فقط 24 ساعة يمكن أن يعيشها في كل عام.

«بزغ النهار منذ لحظات، وراح قمر فضي يتوارى بين الأبنية، في واجهة أحد المتاجر لافتة مضيئة تشير إلى الساعة 06:25 أصبحت لدي الآن طقوسي وأحاول التمسك بها، قطعة نقدية في موزع الصحف، مطالعة أول صفحة من النيويورك تايمز، كان تاريخها 31 أغسطس 1997. ثلاثة عشر شهرا مضت منذ رحلتي السابقة، من العبث توقع ذلك، وفي كل مرة هناك صدمة من الصعب استيعابها، أستيقظ وأتلقى صفعة عام كامل في طرفة عين».

وبين أرثر الطبيب والكاتب، بين الوهمي والواقعي، بين الهارب من الزمن والهارب من الألم، تنصحه طبيبته أن يصب آلامه في قالب روائي، فتقول له: «سيد كوستيلو.. أنت هنا في مشفى ولست في فندق، لا تدع ألمك يحطمك.. اصنع منه شيئا ما تحسن صنعه على أكمل وجه. أكتب، أكتب عما ينتابك، تجاوز هذه المحنة، عبر عن حزنك، تخلص من أعبائك، ففي حالتك هذه، الكتابة هي الداء والدواء في آن معا». ليرد عليها بشرود: «ليس هذا تصوري عن الرواية، لن أفرض حالاتي النفسية على قرائي، فالكتابة ليست علاجا، الكتابة هي شيء آخر. هي عمل متخيل، هي عيش حيوات أخرى، خلق لبيئات وشخصيات وعوالم خيالية. هي نمنمة كلمات وصقل جمل وضبط إيقاع وتنفس وموسيقى. الكتابة ليست مصنوعة للشفاء، الكتابة ألم وضنى وهاجس. أنا آسف، لكننا لا نمارس العمل ذاته أيتها الطبيبة».