أوياما توتشي: العمل ضمن فريق يصنع قصة شهية

مقال بقلم أوتشياما إيكوئي بتصرف عن مجلة نيبون 04/2010

KODANSHA ©

عندما يمارس المرء عملا يعشقه، تتلاشى لديه كل الحدود الرفيعة بين الهواية والمهنة، فتجده يبدع بشكل خيالي في كل التفاصيل مهما بدت صغيرة أو عابرة. وهذا ما ظل يفعله هذا المانغاكا غريب الأطوار الذي مزج بلمسة مذهلة بين الطبخ والرسم.

أحيانا تدور قصة مانغا حول الطبخ. ولكن القليل جدا منها يتم رسمه بالفعل داخل المطبخ ! وهذا ما يفعله الرسام أوياما توتشي Tochi Ueyama في روايته المرسومة Cooking Papa (الأب الطباخ) حيث يواصل إنجاز فصل جديد كل أسبوع منذ أن ظهرت القصة للمرة الأولى في مجلة Weekly Morning عام 1985 ومازالت على قوتها وشهرتها بعد مرور أزيد من ربع قرن.

والشخصية الرئيسية في رواية (الأب الطباخ) أرايو كازومي هو موظف بارع يجهد نفسه كثيرا في العمل، ويهيئ وجبات طعام مثل أي طباخ محترف. وهو يتفاعل مع أفراد أسرته وزملائه في العمل ويوطد علاقته بهم من خلال الطبخ. في كل حلقة يظهر طبق جديد من الموروث الياباني التقليدي أو من بلد أجنبي حينا أو حتى من خيال الفنان أحيانا أخرى، وقد اعتاد أوياما أن يرسم مقادير الوصفة وطريقة تحضيرها بكل دقة، وقدم في سلسلته حتى الآن ما يزيد عن 100 ألف طبق. (جمعت السلسلة في أكثر من 100 مجلد ومازالت تصدر أسبوعيا عن دار نشر كودانشا).

زرناه اليوم فوجدناه يعمل على حلقة اختار لها عنوان (سباكيتي بوتانسكا) وهو الآن في مقر عمله الذي يبدو مثل مطبخ كبير في مدينة فوكوتسو بمحافظة فوكوكا شمال جزيرة كيوشو. يقف الرسام وسط مجموعة كاملة من الأدوات والتوابل مستعدا لتجريب وصفته الجديدة. «زيتون وثوم وطماطم وأنشوجي.. يبدو أن لدينا كل ما نحتاج إليه، فهيا إذن نبدأ العمل». يهتف أوياما بفريقه الصغير.

يقف المساعدون بجواره، يساهمون معه في الطبخ ويلتقطون صورا رقمية لكل خطوة، ويسجلون جميع البيانات. فيما يحرك أوياما يديه بكثير من الخفة والنشاط ويبدو واضحا أنه يستمتع بما يفعل. إنه يبدو هنا تماما مثل صورة منسوخة من بطل قصته (الأب الطباخ). وعندما ينتهي من طهي السباكيتي يتقدون مساعدون آخرون كانوا منهمكين في تحضير بعض رسومات المستعجلة. يتذوق الجميع السباكيتي ويتفقون على أن طعمها ممتاز مما يسمح بإدراجها كوصفة للعدد القادم من المجلة.

«بعد أن نتأكد جيدا من الطريقة المثلى لإعداد الطبق، أبدأ التفكير في كيفية ربط الشخصيات بمناسبة تحضيره وتقديمه، وعندما أتمكن من ذلك تلتقط شخصياتي طرف الخيط وتواصل سرد القصة حتى النهاية» يقول أوياما بمنتهى البساطة، وهو يحرك يديه برشاقة ويرسم خطوطا دقيقة في صفحات قصته، أما مساعدوه فيستخدمون الأقلام السميكة للتحبير وملصقات (السكرينتون) لإضفاء ملمس واقعي على الأطعمة. كل فصل من السلسلة يضم وصفة لعمل طبق واحد، مفصل برسوم شهية تجعل الطعام يبدو جاهزا للأكل حتى باللونين الأبيض والأسود.

يشرح أوياما «إن قصصي تمثل أطباق طعام تغذي الجسم والعقل. وعندما أصنعها أضع في بالي صورة شخص يستمتع بتناولها وقراءتها في الوقت نفسه ومن ثم يذهب إلى النوم». وهذا الكلام حقيقي بالفعل، فقصص هذا الرسام الطباخ ليس فيها أحداث مثيرة أو مشاهد صادمة، بل تصور دائما شخصيات بسيطة تستمتع بطعام لذيذ مما يبعث في أنفس القراء شعورا بالرضا والارتياح، وربما بالجوع أيضا. فالطعام في النهاية هو مما يجمع الناس ببعضهم، وأوياما ومساعدوه يثبتون ذلك كل أسبوع بينما يعملون في فريق متكاثف لإعداد كل حلقة جديدة من سلسلة (الأب الطباخ).