المانغا والأنيمي : من فن ياباني إلى ظاهرة عالمية

حين يصبح الفن التاسع أولا على لائحة الجماهير

KODANSHA ©

تحولت المانغا والأنيمي في اليابان إلى ظاهرة تمزج بين الجوانب الفنية والتجارية وتساهم بشكل مذهل ليس فقط في تحقيق إيرادات مالية هائلة لمنتجيها، بل أيضا في تحسين صورة اليابان في العالم وإكساب البلاد مزيدا من العشاق الذين يهيمون بها.

يطلق لفظ مانغا (まんが / Manga) على الروايات المرسومة التي أنتجت في اليابان، أو رسمت وفق الأسلوب الياباني. وقد يستعمل للإشارة إلى الصناعة المرتبطة بهذا الفن وكذا إلى الوسائل التي ينشر عبرها كالمجلات الأسبوعية والشهرية والدورية. وبوصفه نوعا مستقلا بذاته يعد قطاع المانغا من أنجح التجارب الفنية التي مزجت ببراعة بين السرد والرسم على الصعيد العالمي، إذ أن عائدات المانغا الأسبوعية في اليابان، تعادل العائدات السنوية لصناعة القصص المرسومة الأميركية (الكوميكس) رغم الشهرة الواسعة لأبطال مارفيل.

يعتبر الرسام راكوتين كيتازاوا (1955 ـ 1876) أول من استعمل كلمة (مانغا) بمعناها الحديث. رغم أن قصصا مرسومة على ما يمكن وصفه بالنمط الأولي المؤسس لأسلوب المانغا ظهرت منذ أواخر القرن الثامن عشر، مع إبداعات متفرقة لمؤلفين رسامين أهمهم Santō Kyōden وأوائل القرن التاسع عشر مع أعمال أخرى مثل هياكوجو سنة (1814) للمؤلف Aikawa Minwa وموسوعة هوكوساي (1814 – 1834) التي شملت رسومات متنوعة جمعها مؤرخون ومهتمون بفنون الرسم.

بعيد الحرب العالمية، استعاد الفن الياباني عافيته وظهر العديد من كبار فناني المانغا مثل ماتشيكو هاسيغاوا وتيزوكا أوسامو الذي يعتبر من أوائل مؤلفي وراسمي القصص المرسومة في اليابان، ويوصف بالأب الروحي الذي وضع الكثير من القواعد التي مازال يسير على دربها ناشرو المانغا ومنتجو الأنيمي حتى اليوم. وقد اشتهر من بعده رواد مبدعون من أمثال أكيرا تورياما مؤلف (دراغون بول)، غوشو أوياما مؤلف (المحقق كونان)، يوشيهيرو توغاشي مؤلف (القناص)، ماساشي كيشيموتو مؤلف (ناروتو)، وإييتشيرو أودا مؤلف (وان بييس). علما أن تعبير (مؤلف) هنا تحيل على (مانغاكا) التي تعني مؤلفا ورساما في الوقت نفسه. فرغم أن صناعة المانغا تتطلب فريقا كبيرا من الرسامين المساعدين، إلا أن الإصدار ينسب في الأخير إلى الشخص الذي كتب فكرتها ورسم شخصياتها وقدم الفصول الأولى منها إلى الناشر.

فتحت العديد من دور نشر الكتب اليابانية فروعا تابعة لها تتخصص في إصدار روايات المانغا، متسلسلة في حلقات تنشر على مجلات أسبوعية أو شهرية أو دورية، ثم مجتمعة في كتب صغيرة ومجلدات شاملة. وقد ضاعفت من رواجها بشكل كبير ومازالت تحقق الملايين من عائدات المبيعات المباشرة أو تراخيص الترجمة العالمية (خاصة في أوروبا وأمريكا) أو مداخيل التحويل إلى أنيميات للسينما والتلفزيون. وفي إطار بحثها الدائم عن مزيد من القصص الناجحة، تعلن كبريات شركات النشر باستمرار عن جوائز دورية لأفضل الإبداعات الجديدة، ومنها جائزة كودانشا وجائزة شوغاكوكان، وجائزة أوسامو تيزوكا الثقافية، وجائزة رابطة الرسامين.

في المجتمعات العربية، بدأ اهتمام اليافعين والشباب بقصص المانغا منذ بداية الثمانينات، مع اكتساح موجة الأنيمي (الرسوم المتحركة) لمختلف شاشات التلفزيون، إذ كان لهذه المسلسلات المشوقة دور كبير في التعريف بالقصص الأصلية لأبطالها، كما انتشرت في تلك الفترة مجلات مرسومة قدمت للأطفال بترجمة لبنانية مغامرات غرندايزر والكابتن ماجد في حلقات، غير أنها لم تعمر طويلا.

ومع بداية الألفية الثانية (2000) أسست بين دمشق (سوريا) ودبي (الإمارات العربية) قناة سبيستون محتضنة إبداعات مركز الزهرة (Venus)  للدوبلاج الذي انفرد بتقديم النسخ العربية لأعمال أنيمي مميزة، ليخلقا معا بمجلاتهما ومسلسلاتهما قاعدة جماهيرية مذهلة من محبي المانغا والأنيمي ممتدة على ربوع كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج. بيد أن الإكراهات التي تجثم على قطاعي النشر والتوزيع في الوطن العربي، حكمت على المانغا المطبوعة على الورق بأن تبقى محدودة الانتشار، ليجد عشاقها بديلا في تصفح رواياتهم المفضلة عبر مواقع الأنترنت رغم أن أغلبها غير مرخص له لكونه يخرق حقوق الملكية الفكرية للناشر الأصلي.