معهد السيناريو ـ الدرس السادس : بأسلوب أدبي

بين تلميح النص الروائي وتوضيح النص السينمائي

OWNER ARTIST ©

we are as a species addicted to story. even when the body goes to sleep, the mind stays up all night, telling itself stories (Jonathan Gottschall)

أشرنا في الدروس الماضية إلى أن كتابة السيناريو تختلف عن كتابة الرواية، فحتى إن كانت القصة جاهزة ومطبوعة ومنشورة على شكل كتاب، تبقى بحاجة إلى معالجة درامية من السيناريست لأجل تحويلها إلى سيناريو تقني قابل للتصوير. ومن أجل مقارنة سريعة دعونا نلقي نظرة على المشهد الأول من مسلسل (القناص) المقتبس عن مانغا HxH لمؤلفها وراسمها يوشيهيرو توغاشي. والذي يمكننا كتابته أدبيا على الشكل التالي.

لم يهدأ بال العمة (ميتو) منذ أن دخلت مع ابن أخيها الصغير (غـون) في ذلك التحدي الغريب، عندما اشترطت عليه أن يصيد وحش البحيرة إن هو أرادها أن تسمح له بالتقدم لخوض اختبار القناصين هذا العام. كانت طوال الوقت مشوشة الذهن شاردة تفكر في أمره، وتسائل نفسها ماذا ستفعل إن استطاع (غون) فعلا صيد الوحش، ثم لا تلبث أن تطرد هذا الخيار من تفكيرها، وتقنع نفسها بأنه لن يتمكن من ذلك أبدا.

إن تحويل نص كهذا إلى سيناريو تقني قابل للتصوير يتطلب تفكيكه إلى مشهد مفصل بدقة (مشهد نهاري داخلي تدور أحداث منه داخل المطعم. وخارجي في البحيرة والغابة تابعنا خلاله العمة (ميتو) تفكر بأمر ما (لا نعرفه بعد) و(غون) يجلس بأعلى شجرة ممسكا بصنارته ثم القناص (كايتو) وهو يدنو بقاربه من الجزيرة). لكن من المؤكد أن أسلوبا بهذه الرتابة (وإن كان يصلح للمنتج والمخرج) فهو لن يناسب القارئ العادي بالمرة.

وهكذا سنجد أنفسنا أمام خيارين إما الكتابة بأسلوب تقني أو أدبي. الأول لا يؤمن إلا بما يرى وما يسمع، وحتى مشاعر الشخصيات وأفكارها يجب أن تعالج وتخرج للوجود بأن نراها صورة أو نسمعها صوتا. أما الثاني فلا ضير خلاله من استعمال مجازي للغة ولذا سنفضل هذا الأخير مادمنا نكتب للنشر وليس للإنتاج، ولابأس بتضمين الوصف بعض التفاصيل التي تساعد القارئ على التخيل وتسهل تحويل القصة فيما بعد إلى سكريبت قابل للتصوير. ويمكننا أن نعتبر هذا صنفا جديدا ونطلق عليه اسم السيناريو الأدبي. وإذا كنتم من قراء سلسلة روايات المؤلف المصري نبيل فاروق فستدركون أنها من أفضل النماذج في هذا النوع من الكتابة على الإطلاق.

(مثال) : استرخى أحد رجال (سكوربيون) في واحد من أبراج الحراسة المنتشرة على طول شاطئ الجزيرة، وراح ينفث دخان سيجارته في تكاسل وهو يقول لرفيقه ضخم الجثة الذي جلس على حافة البرج ينظف مدفعه الآلي: عجبا لقد برز قرص الشمس كله في الأفق دون أن نسمع دوي رصاصة واحدة. سأله الضخم في لامبالاة: ولماذا تدوي الرصاصة؟ ابتسم الأول وقال في تراخ: ألم تبلغك الأخبار؟ إن مستر (هانتر) يمارس لعبته منذ الفجر مع ذلك الأسير الذي أحضروه أمس. (نبيل فاروق ـ سلسلة رجل المستحيل (84) جزيرة الجحيم).

إن المواظبة على قراءة هذا النوع من القصص الغنية مضمونا والشيقة أسلوبا (كما روايات جي كي رولينغ ودان براون) ستكون ذا فائدة كبيرة لك في طريقك نحو كتابة الرواية والسيناريو معا. فاختر أسلوبك التعبيري وابتكر شخصياتك المميزة واشرع في الكتابة ملتزما ببناء حبكة قوية تصعد بالأحداث من الوضع الهادئ إلى نقطة الهجوم (اللحظة التي يتغير فيها الوضع معلنا بداية الصراع كمقتل شخص مثلا أو فرار مجرم) إلى ذروة العقدة، قبل أن تبدأ مرحلة الهبوط نحو الوضع العادي مرة أخرى. وكل هذا ضمن مسار مشوق يشد الأنفاس دون أن يفتقد لمنطقه الداخلي الناظم.