معهد السيناريو – الدرس الثالث : أسس تقنية

قواعد مهمة نتعلمها اليوم لكي ننساها لاحقا

what has always been at the heart of film making was the value of a script. it was really the writer who could make or break a film. (Douglas Fairbanks)

تابعنا في الدرس الأول والدرس الثاني من دروس تعليم كتابة السيناريو نبذة تعريفية ونظرة شاملة لهذا الفن، مشيرين إلى أنه يقوم على أسس تقنية (حسب نموذج هوليود) تميزه عن باقي الفنون السردية وتيسر كتابته وقرائته على حد سواء. وفي الواقع لا تقبل أي شركة إنتاج سينمائي أو تلفزيوني أي مقترح لفكرة أو قصة لفيلم أو مسلسل ما لم تكن مكتوبة على شكل (script) حسب المعايير المتعارف عليها. ولحسن حظنا أن زمن الآلات الكاتبة انتهى (رغم رومنسيتها)، فاليوم توجد العديد من برامج الحاسوب الرائعة التي سهلت كثيرا عملية صياغة السيناريو، ولعل أشهرها على الإطلاق هو (final draft) ويشتغل به كبار الكتاب في العالم ثم (celtx) الذي يتيح خدمة الكتابة السحابية (أونلاين) من أجل الفرق التي تعمل على مشاريعها بشكل جماعي. لكن إذا كنت تخطو أولى خطواتك في هذا المجال، فلا ضير من الاعتماد على برنامج صغير ومجاني وبسيط ومثير للإعجاب في الآن نفسه هو (kitscenarist).

قبل أن تبدأ مغامرة كتابة السيناريو بمعناه الكامل، يجب أن تبلور فكرة القصة في ذهنك بشكل عام، وهذا يعني الإجابة عن أسئلة صغيرة من قبيل (من هو البطل في قصتك؟ وما الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه؟ وما أكبر المعيقات التي قد تقف في طريقه؟). يصاغ كل هذا في فقرة مختصرة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أسطر تسمى (Logline) وهذا هو أول تعريف لقصتك. بإطلالة سريعة على موقع Shueisha للنشر نجد مثلا أن لوغلاين مسلسل ناروتو يقول (رغم معاناته من لعنة الثعلب ذي الذيول التسعة، يكافح الفتى الأهوج ناروتو من أجل إثبات ذاته في قريته الصغيرة والتخرج من أكاديمية النينجا ساعيا لأن يصبح الهوكاجي القادم. فهل سيحقق حلمه أم ستقوده خطاه نحو عالم أكثر تعقيدا؟). هكذا ببساطة، تم تحديد البطل وأهم صفاته وهدفه في الحياة مع تلميحات مهمة إلى ما ينتظره من مخاطر.

الخطوة التالية تكون مع ملخص آخر (لكنه أكثر تفصيلا من سابقه ويمتد هذه المرة من 1 إلى 3 صفحات بالنسبة للفيلم أو 1 عن كل 25 صفحة من النص الكامل للمسلسل) ويحمل اسما جميلا للغاية (Synopsis). يوضح السينوبسيس أهم مفاصل القصة (البداية ـ العقدة الكبرى ـ النهاية) بأسلوب يشوق المنتج ويدفعه للرغبة في قرائة السيناريو كاملا. ولأن هذا الأمر لا يبدو عمليا (لأننا لا نعرف بالضبط أين ستأخذنا قصصنا) فإن الكتاب يباشرون بكتابة السيناريو مفصلا وبعد أن يحصلوا على نسخة نهائية مرضية، يعدون لها السينوبسيس المختصر فقط من أجل عيون شركات الإنتاج.

يكتب السيناريو على شكل مشاهد متلاحقة ويبتدئ كل مشهد بسطر تقني لتحديد مكان وزمان الحدث الذي سنعيشه، وذلك باستخدام مصطلحي Ext و Int (داخلي / خارجي) للإشارة إلى أن المشهد سيدور مثلا داخل غرفة أو مكتب، أو في الخارج (غابة ـ صحراء ـ بحر) تلحقها عبارات من قبيل (نهارا / مساء / ليلا / لاحقا) لتبيان زمن الحدث بالضبط (وهذا يفيد سرديا في ضمان ترتيب منطقي لمراحل القصة وتقنيا في تحديد درجة الإضائة المناسبة عند العمل على المشهد رسما أو تصويرا). ومباشرة بعده يبدأ سرد وقائع المشهد ووصفها (ماذا يحدث وكيف يحدث) مع إدراج أسماء الشخصيات حينما تتكلم وعبارات الحوار في سطور مستقلة (هذه من الأمور التي ينظمها برنامج الكتابة تلقائيا).

يقول المتمرسون في هذه المهنة إن كل صفحة في السيناريو تعادلها دقيقة واحدة على الشاشة، بمعنى أنك إذا كنت تريد عمل فيلم من ساعة ونصف، فستكتب نصا من حوالي (90 إلى 120) صفحة، أما المسلسلات فهي بالتأكيد أطول من هذا بكثير. وعلى أي حال يفضل دائما أن تكون البداية بكتابة فيلم قصير (وإن كان هذا النوع بدوره ليس سهلا إذ يتطلب قصة عميقة المعاني إلى أبعد حد). هكذا نكون قد ألقينا نظرة سريعة على أهم الجوانب التقنية لكتابة السيناريو، لنبحر في الدرس الرابع بإذن الله نحو عمق البحيرة حيث الأسلوب والمضمون والبناء الدرامي والمنطق الداخلي.