writing a screenplay is like climbing a mountain. all you can see is the rock in front of you. you can’t see where you’ve come from or where you’re going to. (Syd Field)
قد تعثر في محل لبيع الكتب القديمة على رواية صفراء تحمل عنوان «جزيرة الكنز» لكاتبها (روبيرت لويس ستيفنسون) فتقبل على قرائتها بلهفة مستلهما حماس شخصياتها ومتشوقا إلى آخر أحداثهـا. وعلى قناة تلفزيونية قد تشاهد مسلسل رسوم (أو فيلما) يحمل العنوان نفسه فتتجمد أمام الشاشة حتى لا تفوتك منه لقطة واحدة محاولا توقع ما سيحدث حسب ما علق في ذاكرتك. ولكنك ستفاجأ حين تجد اختلافات شتى بين الرواية المكتوبة والعمل الفني المرئي، الأبطال هم أنفسهم والمغامرة ذاتها لكن كثيرا من المشاهد والأحداث والحوارات تعرضت للتعديل والتبديل بشكل أو بآخر.
وهذا في الواقع ليس حصرا على هذه الرواية أو تلك، فكل الأعمال الأدبية والنصوص والقصص والحكايات وحتى الأفكار الصغيرة، تتغير حتما عندما تتحول إلى عروض للمشاهدة على الشاشة، وذلك لإكراهات (أو اختيارات) تقنية وفنية تتعلق بعوامل شتى تتحكم في المنتج الجديد (مدة العرض، الجمهور المستهدف، الجهات المنتجة، الوسائط المستعملة وغيرها). ولهذا يكون من اللازم دائما أن تمر كل قصة يتم إعدادها لعمل تلفزيوني أو سينمائي من مرحلة معالجة دقيقة لا يجيد القيام بها إلا «السيناريست».
أكثر التعاريف بساطة واختصارا لفن الكتابة للشاشة يقول إن السيناريو هو نص يكتب لكي يتحول إلى عرض من صورة وصوت. وهو تعريف كاف جدا لأخذ تصور عام عن هذا الفن التقني وتمييزه عن غيره من الأجناس الأدبية أو الكتابات اليومية العادية. فقد نكتب الشعر مثلا لأغراض متعددة لكن شكله (قديما وحديثا) يبقى معروفا ومميزا، وكذا الخاطرة والقصة والرواية. إذ لكل نوع مميزاته الخاصة وأساليبه وتقنياته ووسائله ونسبة الحضور البلاغي والمجازي فيه.
هكذا يكون السيناريو (فنا أدبيا بأسلوب تقني) الهدف منه كتابة قصة (في أغلب الأحوال) بشكل يجعلها قابلة للتصوير والتحول بسهولة إلى عرض على الشاشة الكبيرة (السينما) أو الصغيرة (التلفاز) أو غيرهمـا (البث أونلاين).
أغلب العاملين في مجال الإنتاج الفني يقولون إن السيناريو يجب أن يبتعد عن الأسلوب الأدبي، وحجتهم في ذلك أنه ليس كتابا للنشر يتطلب العناية بصياغته وإنما هو مطبوع يموت بمجرد تحوله إلى فيلم (أو مسلسل) ويكون إثر كتابته موجها فقط للمنتج والمخرج والممثل وهؤلاء الثلاثة لا يهمهم غير وضوح الفكرة، لكنه رأي مهما كان منطقيا لا يحظى بموافقة الجميع، فاللغة السليمة والأسلوب المقبول بدون «مبالغة تجميلية» هما علامتان على نضج الكاتب وتعدد خياراته وقدرته على إيصال أفكاره بما يليق بها من حسن تعبير.
عندما تكون مبتدئا في كتابة السيناريو، تبحث دائما عن إجابات جاهزة لأسئلة من قبيل: كيف أقسم الورقة؟ كم من مشهد في كل حلقة؟ وكم من دقيقة في المشهد؟ إلى غيرها من الأسئلة التي لا وجود لجواب قاطع عنها، ولا ينبغي أن يهتم بها الكاتب لدرجة كبيرة، فالأهم أن يطور أسلوبه وتعبيره ووصفه وحواره، بمعنى أن مضمون السيناريو أكثر أهمية من شكله. ومع ذلك هناك بعض الأمور التقنية التي تنبغي معرفتها لكونها من الأساسيات التي يبنى عليها السيناريو وفق معايير عالمية. وقد نشبهها هنا لو جاز هذا التشبيه ببحور الشعر العربي، عليك أن تعرفها ثم تنساها لتركز فقط على المعاني والمضامين حتى تبدع قصيدة جميلة.
في الدرس الثاني بإذن الله، سنطل من شرفة عالم الرسوم المتحركة لنرى كيف تتحول الكلمات الجامدة إلى صور ساحرة تمهيدا للدخول إلى أعماق تفاصيل كتابة السيناريو أكثر وأكثر وأكثر.