«لا تخبري ماما» : مذكرات بطعم القساوة ولون الخذلان
حين أخبرت توني ماغواير العالم كله بقصة طفولتها الصادمة
رغم الظلم الكبير الذي تعرضت له في طفولتها، ظلت توني ماغواير متمسكة بالحياة متحلية بالشجاعة مصرة على أن تخرج إلى هذا العالم المتحيز لتحكي بجرأة نادرة يوميات طفلة تجرعت المرارة عندما غدر بها من كان يفترض أن يحميها من كل شيئ.
كانت الروائية البريطانية (توني ماغواير) بحاجة للتحلي بالكثير من الشجاعة لتروي للعالم قصتها الصادمة هذه، متخذة من دموعها الصامتة حبرا للكتابة ومما عاشته في طفولتها من أحداث واقعية إلى درجة القسوة وقاسية إلى درجة الصدمة، موضوعا للبوح بما كتمته في أعماق صدرها من وجع ثقيل. وقد حكتها بمصداقية واضحة في كل سطر ولغة مؤثرة في كل كلمة، بلسانها عندما كانت طفلة تحمل اسم (أنطوانيت) وتعيش بسلام في كنف أسرتها الصغيرة قبل أن يكشف أبوها الذي طالما أحبته وهابته في الوقت نفسه عن الوجه الأكثر شرا وحقارة في شخصيته، معرضا إياها لاعتداء جنسي وهي بعد في السادسة من عمرها.
ومع أنه أرغمها على كتم الأمر بعبارته المفضلة التي اقتبستها عنوانا للرواية (لا تخبري ماما) إلا أن أنطوانيت ما لبثت أن قصت على أمها ما حدث منتظرة منها أن تدافع عنها بقوة كما يفترض بأي أم أن تفعل. «أخبرتها لأني كنت أثق في حبها وأعلم أنها تبادلني الحب نفسه وأنها ستطلب منه ألا يكرر فعلته ثانية لكنها لم تفعل». وبين قذارة الأب القاسي وخذلان الأم الضعيفة عاشت توني (وهو اللقب الذي تفضله على إسمها العتيق) سبع سنوات وسط هذا الجحيم الأسري الذي لم تخب ناره إلا بعدما تأججت الفضيحة وصارت على كل لسان في قسم الشرطة ومدرسة الحي ومشفى البلدة ومحكمة المدينة.
وحتى بعد الحكم على أبيها بالسجن لم تسلم توني من دوامة الإدانة الاجتماعية، فعلى غرار الأم تنكر لها جميع من حولها وبدل معاملتها كضحية بريئة نظروا إليها باحتقار غير منصف ضاعف من تعاسة حياتها وألقى بها في حالة حادة من الاكتئاب جعلتها تفكر في الانتحار مرات عديدة. «وجدت نفسي بعد لحظات في مكتب القاضي الذي كان قد تخلص من شعره المستعار وردائه الأحمر. حدجني بنظرة جادة وأشار إلي بالجلوس ثم راح يشرح لي سبب هذه المقابلة الخاصة. لاشك أنك ستجدين الحياة غير عادلة يا أنطوانيت لكن أنصتي إلي جيدا، لقد قرأت تقارير الشرطة واطلعت على ملفك الطبي ومن ثم فأنا أعرف بالضبط ما الذي تعرضت له. وأؤكد لك أن لا شيء مما وقع كان من خطئك فلا داعي لأن تشعري بالخزي».
كتبت توني الرواية باسمها المفضل ووضعت صورتها الحقيقية على الغلاف فلم يعد أمامها ما تخشاه «كانت الكتابة عن تجربتي صعبة للغاية عاطفيا، لكنها في المقابل ساعدتني في التعامل مع ماضيّ وعمقت إدراكي وإيماني أنه ليس هناك أي عار في كوني ضحية. وكل ما آمله الآن أن تكون كتبي قد ساعدت في فضح هذا النوع من المآسي الاجتماعية».
بعد عام واحد على إصدار (Don’t tell mummy) عام 2006 أصبحت من أفضل الكتب مبيعا في المملكة المتحدة، وأكثرها تأثيرا في نفوس قرائها على امتداد العالم أجمع. مما شجع الكاتبة على إصدار جزئها الثاني When Daddy comes home لتحكي كيف أصبحت تنظر إلى الموضوع كفتاة كبرت قليلا لتجد نفسها تعيش من جديد مع الأب نفسه بعد عودته من السجن إذ رحبت به أمها كما لو أن شيئا لم يحدث. ويبدو أن نجاح الروايتين شجع أناسا آخرين لطالما احتفظوا بأسرار متعبة من طفولتهم على التقرب من توني والبوح لها بمآسي لا تقل وجعا عما عاشته، فنشرت خمسة كتب أخرى عن قصصهم تختلف شخصياتها وأحداثها لكنها تلتقي عند (لوم الضحية) كخيط مشترك يربط بينها.