لماذا «يحرف» مركز الزهرة مسلسلات الأنيمي؟

الالتزام بالعمل الأصلي مقابل احترام هوية المجتمع

STUDIO DEEN ©

لا يمكن إنكار ما لفينوس وسبيستون من فضل واضح في البناء النفسي لأجيال الثمانينات والتسعينات فقد ملأت قلوبهم بمفاهيم الصداقة الكبيرة وحب الخير للآخرين والتمسك بالحق ومقاومة الفشل والسعي وراء الأحلام.

أضحى مركز الزهرة يتلقى انتقادات كثيرة من محبي الرسوم المتحركة، فقد كبر شباب المستقبل وتنكروا لكل جهود فينوس وسبيستون بعد أن منحتهم طفرة الأنترنت فرصة مشاهدة الأنيمي الياباني في نسخه الأصلية، محتجين على «التحريف» الذي يطال بعض القصص، فران صديقة سيشي وليست خطيبته، وميتو عمة غون لا خالته، ونامي سافرت طوال الرحلة بملابس البحر، وينبوع الباندا هو في الواقع مسلسل (إيتشي) وليس عائليا!

إن عملية الدوبلاج الرسمية (شراء الحقوق والاتفاق على بنود الترخيص والبث) لا تشبه في شيئ ما يمارسه هواة اليوتيوب. فالنسخة التي يصدرها أي مركز دبلجة وبأية لغة تعتبر بمثابة إنتاج جديد. وقبل أن يبلغ العمل مرحلة الترجمة والتسجيل الصوتي، يكون قد عبر مرحلة الإعداد التي يراجع فيها بدقة تحدد التعديلات المطلوبة لكي تكون النسخة الجديدة ملائمة للجمهور والمجتمع الذي توجه إليه.

في كثير من البلدان مثلا تفرض رقابة شديدة على مشاهد القتل في مسلسلات الأنيمي التي تعرض للعموم في التلفزيون رغم أنها قد تكون شائعة في وسائط ترفيهية أخرى. «حين رخصنا عرض مسلسل المحقق كونان في الولايات المتحدة لأول مرة، واجهنا مشاكل مع الرقابة. فقد اكتشفنا أنه لا يسمح لنا بإظهار شخص ما يصاب بالرصاص. فهم يمنعون هذا  في الأنيمي رغم أنهم يظهرون الكثير من العنف في الدراما والأفلام، وهذا أمر مفاجئ». يقول Michihiko Suwa مسؤول الإنتاج في شركة طوكيو للأفلام TMS.

وبالعودة إلى العالم العربي، كمجتمع مسلم في أغلبه من الخليج إلى المحيط، يتشارك أهله قيما ثقافية بها درجة مهمة من الطبع المحافظ الذي يربط الحرية بقوانين الآداب العامة. نجد مركز الزهرة يحرص ما أمكنه ذلك على تجنب المشاهد التي تظهر فيها طقوس دينية مخالفة، ويقطع لقطات التدخين (سمح به في وان بيس ومسلسلات أخرى بعده) ويحول الشراب من خلال الحوارات إلى عصير فواكه. ويعدل مشاهد العلاقات غير المقبولة بين الجنسين، مضفيا على الكثير من الصديقات صفة مخطوبات رغم عدم ظهور خواتم في أناملهن، سعيا إلى ترسيخ فكرة أن الوضع الطبيعي لعلاقة بين فتى وفتاة تجاوزا بوابة الصداقة إلى حالة حب هي أن تتخذ طابعا رسميا.

كل هذه التعديلات في الواقع تصعب كثيرا عملية الدبلجة، إذ أن تغييرا بسيطا في المشهد الأول قد يمتد تأثيره طوال 52 حلقة من المسلسل. ولكم أن تحاولوا فقط تخيل قدر المجهود الذي بذله مصمم الجرافيك الذي كلف بتغطية أماكن عارية من جسم نامي وروبن في نسخة وان بييس العربية. كما أنها قد توقع فريق الإعداد في مشاكل لا تظهر آثارها إلا في الحلقات القادمة خصوصا إذا كان المسلسل يواصل الصدور، لأنك لا تعرف أبدا ما المنعطف الذي قد يجرك إليه مؤلف القصة.

مثل هذه الأمور قد تحدث عند التعامل مع مسلسلات طويلة. لكنها لا تعطينا المبرر أبدا أن نحاكم مركز الزهرة أو نتهمه بالتحريف. فما يقوم به لا يعدو أن يكون تكييفا للقصص لجعلها تلائم ما ترجوه الأسرة والمدرسة من طفل وفتى وشاب عربي. إنها في الواقع تساهم بشكل إيجابي للغاية في التنشئة الاجتماعية. ولا يمكن أبدا إنكار ما لفينوس وسبيستون وكل تلك المسلسلات الرائعة التي قدمتاها لنا، من فضل في البناء النفسي لأجيال الثمانينات والتسعينات (الذين كانوا بعمر العاشرة عند إطلاق spacetoon عام 2000). وملء قلوبهم بمفاهيم الصداقة الكبيرة وحب الخير للآخرين والتمسك بالحق ومقاومة الفشل والسعي وراء الأحلام.