1Q84 : عندما أعاد هاروكي موراكامي تشكيل الزمن

في رواية سريالية ينسج خيوطها أناس صغار

MURAKAMI / SHINCHOSHA ©

من الصعب جدا أن يشدك موضوع هذه الرواية حين تسمع عنه، لكن ما إن تضع قدميك في أول عربة من القطار حتى تدرك استحالة المغادرة قبل بلوغ المحطة الأخيرة، ولو كان قطارا لا يتوقف أبدا كالذي يمر عبر بلدة القطط.

لا تشبه رحلة الإبحار بين صفحات رواية (1Q84) لمؤلفها الياباني هاروكي موراكامي أي رحلة سردية أخرى، فهي واحدة من تلك الروايات التي تجعلك ـ مع كل فصل تقرأه ـ تتمنى لو أنها لا تنتهي، يتوقف فيها الزمن وتتغير الأمكنة والأحاسيس وخطى الشخصيات، فيكبر شوقك لما سيأتي وإن كنت لا تستعجله، وكأنما تشاهد مسلسل دراما طويلا ولديك ما يكفي من وقت الفراغ لتتابع جميع حلقاته واحدة بعد الأخرى. «هل تسمعين وقع أقدامي يا آنسة؟ ربما لا، فأنا أمشي ببطئ شديد، ولكنني أقترب منك خطوة خطوة. وقريبا جدا سوف ألمح ظهر الأرنب». يقول المتحري يوشيكاوا.

رغم أن العديد من نقاد بلاده يعيبون على موراكامي بعده عن المنهج الأدبي الياباني وإغراقه في «السريالية» الغربية، إلا أنه شق طريقه ككاتب روايات متمكن ترك في خزانة الأدب أعمالا كثيرة نالت نصيبا وافرا من الإشادة والشهرة منها مطاردة الخراف الجامحة (1982) الغابة النرويجية (1987) وما بعد الظلام (2004). ولطالما تصدرت رواياته فور نشرها قوائم أفضل الكتب مبيعا على الصعيدين المحلي والدولي وترجمت إلى أكثر من 50 لغة، فأصبح الرجل يعتبر من أهم رموز أدب ما بعد الحداثة.

«كنت عالقا في زحمة السير وسط طوكيو حينما خطر على بالي هذا السؤال: ماذا لو غادرت الطريق السريع نازلا عبر مخرج الطوارئ؟ هل سيتغير مسار حياتي»؟ هكذا يحكي مواكامي في حوار له مع صحيفة (The guardian) عن ولادة روايته الغامضة (1Q84) والتي سهر على نسج سطورها على مدى 3 سنوات متتبعا ما يمليه عليه حدسه بدون أي خطط مسبقة. و«بشكل ما أحسست أن قصة كهذه ستكون واعدة للغاية. نشرت رواية (كافكا على الشاطئ) قبل خمس أو ست سنوات، وكنت في انتظار العثور على فكرة لكتاب جديد وها قد جائت». 

صدرت 1Q84 (تقرأ باللغة اليابانية إيتشي كيو هاتشي يون) مقسمة على ثلاثة مجلدات بين عامي 2009 و2010. ويحيل عنوانها الغريب إلى رواية (1984) الشهيرة لصاحبها البريطاني جورج أورويل، والتي تجري أحداثها المتخيلة في دولة ترزح تحت نير نظام سياسي فاسد تملك زمامه نخبة من أعضاء الحزب الداخلي يرأسها حاكم يلقب بالأخ الأكبر، ويعيش أهاليها حالة خوف دائم بسبب الرقابة الحكومية التي تطال حتى الأفكار والمشاعر. غير أن موراكامي تلاعب قليلا بالحروف مستفيدا من الشبه الشكلي واللفظي بين الرقم 9 (ينطق باليابانية كيو) والحرف Q الذي اعتبره اختصارا لكلمة (Question).

أحداث رواية 1Q84 تدور أيضا في العام 1984 ويتم سردها في فصول متناوبة على لسان شخصياتها الرئيسية. «أومامى» مدربة رياضية تستطيع أن تقتل بدم بارد، «تينغو» محرر روايات يستحضر كل خبرته السردية لمساعدة كاتبة مبتدئة جميلة، و«يوشيكاوا» المتحري الخاص الماكر الذي يفعل أي شيئ لبلوغ هدفه. ثلاث مسارات تتباعد حينا وتتقاطع حينا ويجذب تيارها شخصيات أخرى (أرملة ثرية، زعيم تنظيم سري، حراس خاصون وسائقو سيارات أجرة وممرضات لطيفات) تزيد من تشابك الأحداث وفق حبكة في غاية التعقيد والإتقان، وكل هذا يجري وسط عالم غريب يظهر في سمائه قمران اثنان وعلى أرضه أناس صغار ينسجون شرانق هوائية.

هل نتعاطف مع من يقترف جريمة قتل؟ هل نقتنع بمبرراته ونرجو أن ينجو ممن يلاحقه؟ هل نميل بفطرتنا إلى حب النهايات السعيدة؟ سنشك في كل هذا حينما نقرأ هذه الرواية.