سارة نوفيتش تحكي مذكرات «فتاة في حالة حرب»

هل يمكن بناء علاقات إنسانية بغض النظر عن القومية والديانة؟

RANDOM HOUSE ©

عبر عيون فتاة صغيرة وجدت نفسها وسط دوامة الصراع الناري الذي اندلع بين الصرب والكروات سنة 1991 تحكي لنا سارة نوفيتش في روايتها الأولى قصة أخرى مؤثرة عن مآسي الحرب والجراح العميقة التي تتركها في قلوب الضحايا وصفحات التاريخ.

لم تكن المؤلفة والمترجمة (الكرواتية – الأمريكية) سارة نوفيتش قد بلغت سن الثلاثين حين نشرت روايتها الأولى Girl at War التي حظيت بكثير من التقدير في الصفحات الثقافية لأشهر الصحف المعروفة وكسبت احترام النقاد الذين أجمعوا على أنها عمل ناضج يبشر بمستقبل أدبي زاهر لصاحبته. وقد بدأت بوادر هذا المجد المرتقب بالظهور بالفعل بنيلها جائزة Alex Award عام 2016 بعد سنة واحدة من نشر روايتها هذه التي ترجمت إلى لغات عدة وصدرت نسختها العربية أخيرا ضمن سلسلة (إبداعات عالمية) بترجمة قدمها مالك عساف تحت عنوان (فتاة في حالة حرب). 

تجري أحداث الرواية في العاصمة الكرواتية إبان تسعينات القرن الماضي، والتي كانت في ذلك الوقت مسرحا لمعارك أهلية طاحنة أودت بحياة عشرات الآلاف. فعندما اندلعت الحرب في يوغوسلافيا كانت بطلة الرواية (آنا يوريتش) تبلغ من العمر عشر سنوات وتعيش حياة هانئة في زغرب مع والديها وشقيقتها الصغرى في البيت، ومع صديقها (لوكا) في المدرسة والشارع، حيث كانت تهوى لعب كرة القدم وركوب الدراجة. لم تشعر بالقلق ولا الخوف حتى عندما بدأت أولى المناوشات بين الصرب والكروات، بل كانت بدايات الحرب بالنسبة لها مغامرة مثيرة، حيث وجدت مبررا للتغيب عن المدرسة واكتشفت من خلال الهروب من الغارات الجوية والاختباء في الملاجئ عوالم جديدة للهو والمرح.

«كانت صافرة الإنذار الخاصة بالغارات الجوية بمثابة ساعة المنبه بالنسبة لنا، حيث واظبنا خلال الأشهر الأولى تلك على الامتثال لها. فكان سماع صوت الصافرة في الواحدة صباحا يعني النهوض الجماعي من الأسرة وارتداء الأحذية على عجل ثم تدفق الجيران المترنحين من النعاس إلى الممرات المضائة بمصابيح فلورية أو في الظلام الدامس إذا كان التيار مقطوعا».

وكشأن الحياة في أي مكان تخيم عليه أجواء حرب، بدأت الأيام تزداد سوءا بالتدريج مع ندرة الطعام وحظر التجول وتلاشي الحياد مع انتشار فوضى التكتلات القومية، حيث لم يعد من الممكن أن يسلم حتى أولئك الذين يريدون فقط أن يحتموا بالجدار حتى تمر العاصفة. هكذا انهار مجتمع «الأخوة والاتحاد» في يوغسلافيا السابقة وتحول إلى مجتمع «شيطنة الآخر» لتبرير كل ما تسمح الحرب باقترافه من فظائع، بعدما أصبح مستحيلا بناء أي علاقات إنسانية بغض النظر عن لكنة اللغة وعرق القومية ورمز الديانة.

وعبر اليوميات الرتيبة والرحلات الطويلة، والكثير من الأفكار والمشاعر التي تكتم لصعوبة البوح بها، عاشت (آنا) بصعوبة مآسي كل تلك الحرب مختصرة في تجربتها الأسرية والفردية التي تراوحت بين حفرة في الغابة ومروحية في السماء. «لم أفهم ما الذي يجري حقا وكيف يمكننا أن نخدع الحراس كي لا يطلقوا النار علينا، لكن والدي بدا متأكدا أننا إذا سقطنا معا في الوقت ذاته فإننا سنكون بخير، وقد كان دائما على حق. هل ستسقط أمي معنا أيضا؟ سألته على وقع إحدى الطلقات فتهدج صوته وهو يجيبني «لا، هي ستسقط أولا». رفعت عيني إلى والدتي وراقبت والدي وهو ينظر إليها فبدا كما لو أن شيئا في سواد عينيه قد انطفأ».

ولأن للحرب امتدادات لا تنتهي، فقد قررت (آنا) التي أصبحت الآن طالبة جامعية في مانهاتن أن تتوقف عن الهروب من ذكرياتها وتنخرط في «معركة» أخرى للتعريف بما حدث في بلادها خلال تلك الفترة، لعل منبر الأمم المتحدة ينسيها حكاية القوميات المتصارعة.